راشد بن حميد الراشدي
عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية
وأنا أقود سيارتي متجهًا إلى عملي مع بدايات الصباح الجميل متوكلًا على الله، مفعمًا بالنشاط لبدء يوم جديد إذ استوقفني في الطريق أحد الإخوة لأوصله إلى وجهة ما، فتوقفت سائلًا عن وجهته، فقال لي إنِّه عائد إلى قريته بعد أن أعياه التعب بحثًا عن عمل يسد به رمق عياله.
ركب معي بعد أن أبلغته أنَّ عملي في مركز الولاية ولن أستطيع إكمال الطريق معه، فقال لي لا بأس أوصلني لوجهتك وبعدها سأواصل طريقي.
ركب معي وقد أعياه التعب وتنهد بعُمق، ونحن نسير بالسيارة سألته عن حاله وحال أهله -كعادتنا في السؤال، وليتني لم أسأله- فقال لي -ودموع الرجال غالية المنال تتساقط من عينيه-: "ماذا أقول لك سوى أن حالي انقلب رأسًا على عقب، وتغيرت الدنيا حولي حتى أصبحت أتمنى أني لم أُخلق في هذه الدنيا وأنا أرى أولادي يتضورون جوعًا بين يدي المجتمع الذي لم يُقصر معي لكن إلى متى؟!!
أنا رجل كنت أعمل في إحدى الشركات بمبلغ 600 ريال، وكانت حالتي المادية جيدة؛ فقد وفرت البيت والسيارة منذ زواجي بأقساط مُيسرة، وسعيت للاعتدال في النفقات بحيث أوازن بين الراتب والنفقات، رزقني الله ثلاثة أطفال -ولله الحمد- كان البنك يخصم أقساطه والمتبقي يكفينا مع عمل بسيط أقوم به وقت الإجازات.
فجأة بدون إنذار سُرِّحتُ من العمل بحقوق بسيطة وبدون أي راتب، وهنا انقلب الحال؛ فقدمنا احتجاجاتنا إلى وزارة العمل ولكن لا جواب في الأفق سوى وعود لم نحصل من ورائها على أبسط حقوقنا حيث كان المبلغ الذي عوضنا به من الشركة بسيطًا لم يكفِنا إلا لشهر أو شهرين.
بحثت عن شركات أخرى أو أي عمل حُر أعيش منه لكن الكل يعتذر وما باليد قليل جدًا لأقيم مشروعًا بسيطًا؛ فتكالبت علي الديون والمطالبات، ولم أستطع توفير حتى أبسط المتطلبات لأسرتي، والآن- كما تراني- جئت باحثًا عن عمل وطرقت أبواب المحلات والشركات والمؤسسات التجارية والكل مكتفٍ بما معه من العمالة.
ثلاثة أيام لم أجد عشاءً لأبنائي ليسد جوعهم، والخيّرون أحسنوا إلينا -جزاهم الله خيرا- لكن إلى متى ننتظر إحسان الناس إلينا؟!
هناك متطلبات كثيرة للأسرة وفواتير ماء وكهرباء مرتفعة الثمن؛ فاستدنتُ من الجميع لتوفيرها حتى ضج أقرب النَّاس إليّ من متطلباتي.
يوميات قاتلة لك وأنت ترى أولادك وهم يعانون عوز الحياة معك.
هذه إجابة سؤالك عن حالي فأمري أتركه لله، وللعلم فإنَّ هذا حال معظم زملائي الذين سرحوا من أعمالهم بين مطالب البنوك ومطالب الأسرة ومطالب الحياة اليومية". انتهى حديث الرجل.
وقفتُ قرب مقصدي لأبحث عن استراحة طريق لأوقفه ليُواصل رحلته إلى بيته، وعيوني قد بللتها قطرات دامعة لحال مثل هؤلاء المسرحين، وقد جدت عليه بما في يدي من شدة تأثري بما وصل له أمثال هؤلاء المسرحين من أعمالهم بقصص يندى لها الجبين وهو يرفض أخذ ذلك المبلغ؛ فالباحث عن عمل يصبر ولكن لا يتألم كما يتألم المُسرّح فهو لم يبنِ أسرة بعد وليس عليه قروض أو متطلبات ملحة.
أنزلت الرجل وطويت صفحة قصته في قلبي لأبثها للجميع وللمعنيين بملف المسرحين عن عمل أولًا، فأقول: هؤلاء المواطنون أمانة في أعناقكم في ضرورة البحث لهم عن وظائف، وما أكثر الشركات التي توجد بها عمالة وافدة مستترة بأعداد كبيرة ويجب فرض التعمين عليها ومتابعة ذلك رقابيًا مهما تطلب الأمر.
ثانيًا: لأصحاب ومديري الشركات والمؤسسات التجارية: أعينوا إخوانكم فهم أولى من الغريب بهذه الوظائف صغيرها وكبيرها.
ثالثًا: للمجتمع… تحسسوا المحتاجين المتعففين من حولكم فهناك أسر تُعاني ولا تشتكي، ولا تطلب العون وتُحب الستر والعفاف.
هذه قصتي في وصف يوم من حياة مُسرح جمعتني به صحبة الأقدار في طريق الحياة الزائلة. فاللهم فرج هم المهمومين وأقضي حوائجهم وأفتح لهم أبواب فضلك.