لم يكن جندياً كما اختار عنواناً لكتابه، ولم يكن مفتشاً للشرطة والجمارك كما ظهر بالزي العسكري بين صفحاته، إنما هو بكل بساطة "الإنسان"الذي عاش في منطقة مسكن بعبري، وتنقل في أول شبابه بين سهلها وجبلها؛ بحثًا عن لقمة العيش، وبعد ذلك التحق في صفوف الجيش متقلداً الرتب من رتبة جندي حاملآ البندقية في حرب ظفار، وانتهاءا إلى رتبة فريق أول يدير أبرز الأجهزة الأمنية بالسلطنة.
هكذا هي حياة الفريق أول سعيد بن راشد الكلباني المفتش العام للشرطة والجمارك سابقاً، والتي سرد فصولها وأحداثها في كتابه الرائع "جندي من مسكن"، وتجلت تلك البساطة والعفوية عن قرب من خلال الجلسة النقاشية التي رافقت توقيعه للكتاب، والتي نظمها فريق صدى الشباب بغرفة تجارة وصناع عمان بمحافظة الظاهرة.
... حينما تقرأ كتاب "جندي من مسكن" تعود بك عجلة الزمان إلى الوراء، وتحديداً قبل النهضة المباركة، وتعيش فعلًا تلك الظروف والأحداث بحلوها ومرها بحربها وسلمها وبمواقفها العظيمة والظريفة مستحضراً الجندي جميع الأسماء التي رافقته وشاركته طفولته في منطقته مسكن وفي ميادين القتال والعمل الشرطي، وتمر بك السنون والأحداث وأنت تقرأ فصول الكتاب صفحة وراء صفحة دون أن تشعر حتى يقف بك الزمن عند آخر حرف منه.
الكتاب ليس وصفاً لشجاعة الجندي العماني وليس لإبراز المناصب القيادية الأمنية بالسلطنة، إنما هو كتاب يحكي قصة رجل أخلص لوطنه وقائده، ولم تكن الإصابة في الحرب والعمليات التي أجريت له سبباً لليأس والدعة بل زادته عزماً وإصراراً على تقديم الغالي والنفيس لهذا الوطن الغالي.
ربما تعدُّ هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها أحد المسؤولين بالسلطنة بسرد حياته الخاصة والعملية ويقدمها لنا في كتاب شيق وممتع فما أجملها من سيرة حينما يمتزج فيها حب الوطن والإصرار على النجاح في الحياة، وكم هو جميل أن نقرأ عن الرعيل الأول الذين بذلوا جل وقتهم للوطن وقدموا أرواحهم فداءآ لترابه.
بجانب حب الوطن والتضحية بالنفس، يُعلمنا كتاب "جندي من مسكن" الكثير من الدروس والعبر منها في الحياة الاجتماعية الكرم والتواضع ومساعدة الآخرين، وفي جانب العمل الالتزام والانضباط ومواكبة التطور والجودة في العمل، وأذكر حينما وجه أحد الحضور سؤالا للمفتش أثناء الجلسة النقاشية عن أهم أسباب تقدم جهاز الشرطة في الخدمات الإلكترونية عن باقي الوزارات الخدمية؟ أجاب: كان هدفنا وتوجهنا أن نعامل المراجعين مثلما تعامل البنوك التجارية عملاءها، ونكسب رضاهم وثقتهم، واستطعنا -بفضل الله- تقديم أرقى الخدمات، والشرطة حاليا في تطور مستمر.
... أقدِّم التحية العسكرية للجندي الذي أصبح مفتشا، وللشهداء الذين استشهدوا في حرب ظفار، وإلى كل كتائب الجيش ومراكز الشرطة والأجهزة العسكرية والأمنية في السلطنة، وإلى كل عسكري يحمي عمان والسلطان.