أحمد مسلم سوحلي جعبوب
معجزة سمحان… زهرة لا تنبت إلا بالقرب من السماء كتبها العلماء لتكون شاهدة على الندرة والفرادة باسم سمحان حيث موطنها الوحيد حول العالم وقد أختار علم النبات الاسم العلمي Pulicaria samhanensis تيمنًا بجبل سمحان في القدرة على تأكيد التنوع الفريد الذي لا يتكرر في غيره أو سواه.
في أعلى قمم جبل سمحان؛ حيث تتوارى الطرق وتبدأ مملكة السكون، يولد نباتٌ لا يشبه أحدًا، وكأنه خُلق من ضوء الفجر وقطرات الغيم. إنه واحد من أندر أبناء العرار، زهور شعاعية ملونة تُشعل الصخور بألوانٍ زاهية لا تراها إلا في تلك الأعالي التي تلامس السماء. يقف النبات هناك عصياً على الانحناء، يحرس جلال الجبل، ويعلن أن الجمال الحقيقي لا يسكن السهول، بل يختبئ في القمم العالية؛ حيث لا يصل إليه إلا من يعرف قيمة الندرة. زهوره ليست مجرد ألوان، بل نبضٌ من حياةٍ تأبى الانقراض، خطوطٌ شعاعية تشرق بين الصخور كأنها نداءٌ من السماء بأن الطبيعة ما زالت قادرة على صنع الدهشة. وحين تراه، تشعر أنك أمام نقشٍ إلهي صيغ بدقة، لا يحتمله إلا جبلٌ قوي مثل سمحان. هو نباتٌ لم يسجله التاريخ النباتي إلا في علو شاهق واحد… سمحان وحده احتضنه، وحفظ سرّه، وكأنه يقول للعالم: "بعض الجمال لا يتكرر، وبعض الكائنات خُلقت لتكون أسطورة".
Pulicaria samhanensis
لم يكن ظهور هذه المعجزة النباتية في سمحان حدثًا عابرًا أو صدفة جغرافية، بل نتيجة طبيعية لمنظومة بيئية نادرة تشكّلت في الجنوب العُماني عبر آلاف السنين. فظفار ليست مجرد امتداد جغرافي لشبه الجزيرة العربية، بل فضاءٌ مناخي فريد يتقاطع فيه الضباب الموسمي، والرطوبة العالية، والرياح البحرية، مع تضاريس شاهقة وتربة صخرية عميقة التكوين، لتنشأ بيئة شبه استوائية أقرب في ملامحها إلى شرق آسيا، بل وتتفوّق عليه أحيانًا في دقة التخصص والتكيّف.
في هذا الجنوب الاستثنائي، أعادت الطبيعة كتابة قوانين البقاء، فاختارت بعض الكائنات أن تتطوّر مورفولوجيًا خارج المألوف، وأن ترفض الانتشار، مكتفية بموطن واحد صاغ لها شروط الحياة المثالية. وهنا، وُلدت نباتات لا تعرف الهجرة، ولا تقبل التنازل عن بيئتها، لأنها تشكّلت على مقاس الضباب، وانحنت مع الصخر، وتنفسّت من الغيم. إنها نوادر لم تُخلق للانتشار، بل للشهادة على قدرة الخالق في صناعة التفرّد.
ولعل Pulicaria samhanensis واحدة من أصدق هذه الشواهد؛ كائن نباتي اختصر قصة ظفار في زهرة، وجسّد معادلة نادرة تقول إن بعض البيئات لا تنتج الكثرة، بل تُنجب الأساطير. ففي الجنوب العُماني، حيث تتلاقى آسيا بأفريقيا في لحظة توازن جيولوجي-مناخي فريد، ظهرت أشكال حياتية تأبى العيش خارج هذا الإطار، وكأنها وُقّعت باسم المكان، وخُتمت بسرّ لا يُمنح إلا لمن يفهم قيمة الندرة. ومثل هذه الأنواع المتشابه شكليًا، يُطلق عليها السكان المحليين اسم "كوشوت".


