دعوة لمراجعة سياسات التعليم العالي في عُمان

 

 

 

أحمد بن عبدالعزيز العوضي

في عصر يتسارع فيه التقدم العلمي والتقني، يُعد التعليم العالي الركيزة الأساسية لبناء أمة قوية ومزدهرة. وفي سلطنة عُمان، التي شهدت نهضة شاملة منذ عقود، أصبح التعليم أحد أهم دعائم رؤية "عُمان 2040".

لكنَّ صوتًا يرتفع اليوم، يُعبِّر عن قلق مشروع: لماذا يضطر كثير من أبنائنا الطلبة إلى السفر خارج الوطن لإكمال دراستهم الجامعية، بينما تُنفق أموال طائلة على الدراسة في الخارج، في حين يمكن توجيه هذه الموارد لتعزيز التعليم داخل السلطنة؟

هذه الدعوة الوطنية، التي تجسدت في مطالبة مجلس الوزراء المُوقر بمراجعة شاملة لسياسة التعليم العالي. وتحديدًا: مراجعة الرسوم الدراسية في الجامعات والكليات الخاصة لمراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وإعادة النظر في قوانين القبول، وفتح التخصصات المغلقة أو المحدودة، لإتاحة فرص أوسع للطلبة لمواصلة تعليمهم داخل الوطن. وتنتهي الدعوة بجملة بليغة "الوطن أولى بهذه الأموال".

إنَّ هذه الكلمات ليست مجرد تعبير عن إحباط فردي، بل تعكس واقعًا يعيشه آلاف الطلبة العُمانيين. فمع توسع مؤسسات التعليم العالي في السلطنة؛ حيث يوجد اليوم عشرات الجامعات والكليات الحكومية والخاصة، إلا أن الرسوم في القطاع الخاص لا تزال مرتفعة، مما يدفع بعض الأسر إلى خيار الدراسة الخارجية، رغم تكلفتها الباهظة في السفر والمعيشة والرسوم.

كما أن قوانين القبول المركزي عبر مركز القبول الموحد، مع معدلات تنافسية عالية في بعض التخصصات، ومحدودية المقاعد في البرامج الحكومية المجانية أو المدعومة، تجعل الكثيرين يلجأون إلى الخارج، أو يتوقفون عن الدراسة. وفي الوقت نفسه، تُنفق الدولة ملايين على بعثات ومنح خارجية، بينما يمكن استثمار جزء منها في خفض الرسوم الداخلية، أو توسيع البرامج، أو فتح تخصصات جديدة تلبي احتياجات سوق العمل المحلي.

الوطن، حقًا، أحق بهذه الثروات؛ فبدلًا من تصدير العقول والموارد إلى الخارج، يمكننا أن نُعلي من شأن جيل متعلم ينمو ويزدهر في أحضان وطنه، حيث يحتضن ثقافته ويشارك بفاعلية في بناء مجتمعه. إن مراجعة الرسوم ستجعل التعليم الخاص متاحًا للجميع، بينما ستعمل تعديلات قوانين القبول على تحقيق عدالة أكبر في توزيع الفرص. كما أن فتح التخصصات سيستجيب لطموحات الشباب الطموح، ويكون في تناغم تام مع متطلبات الاقتصاد المعرفي المتسارع.

هذه الدعوة فرصة لتعزيز الشراكة بين الحكومة والمجتمع، ولتعميق الاستثمار في رأس المال البشري العُماني. فالشباب هم مستقبل عُمان، وتعليمهم داخل الوطن ليس مجرد خيار اقتصادي، بل واجب وطني يعكس إيماننا بقدراتنا الذاتية.

دعونا نأمل أن تُسمع هذه الصرخة، وأن تتحول إلى خطوات عملية تخدم الوطن والمواطن. فالتعليم ليس مجرد نفقة، بل هو استثمار حكيم في مستقبل أجيال قادمة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z