د. أحمد بن علي العمري
سلطنة عُمان البلد الآمن المُطمئن الضارب في جذور التَّاريخ السالم المُسالم الآمن والمُؤتمن على رسالته الخالدة التي عمل عليها لعقود "لا نتدخل في شؤون الغير ولا نسمح لذلك الغير بالتَّدخل في شؤوننا"، مقولة صدقتها عُمان وعاشت معها وآمنت بها.
لكن ما حدث من حراك في حضرموت والمهرة يدق ناقوس الخطر ويكدر صفو النهر الصافي المستمر في جريانه وفي طريقه بسلاسة وسلام منذ الأزل وللتذكير ببعض الحقائق التي لا يعرفها الكثير؛ بل وأن أغلبية العُمانيين قد لا يعرفونها أود أن أعرج بعجالة على بعض من هذه الحقائق، على سبيل المثل وليس الحصر وهي: أن سفلتة الطريق من شحن اليمنية على الحدود العُمانية إلى الغيضة وهي حاضرة مُحافظة المهرة تم تنفيذه على حساب عُمان بالكامل قبل أن يتم سفلتة الطريق من ثمريت إلى المزيونة العُمانية الواقعة على الحدود اليمنية، وأيضاً الطرق الداخلية في الغيضة وكذلك المدارس والمراكز الصحية والمساجد والمدارس وكذلك سيارات الإسعاف كلها كانت على حساب عُمان؛ لأنَّ عُمان تؤمن بالبناء والمساعدة فيه وتكره الهدم وكل مسبباته. وأيضًا الإخوة اليمنيون يتم تقديمهم على إخوانهم العُمانيين في مستشفى السلطان قابوس بصلالة أيًا كانت مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والحزبية وأيًا كانت محافظاتهم؛ بل هناك إخوة يمنيون تمَّت معالجتهم على حساب السلطنة في الخارج.
وهناك الآلاف من اللترات من الوقود التي تزود بها المهرة يوميًا من عُمان، كل هذا وأكثر وعُمان تعمل بصمت وهدوء إيمانًا بالاحتساب عند الله؛ لأن الأجر من رب العالمين أكرم وأشمل.
كما إن عُمان لا تؤمن بالتمنن ولا التشدق ولا تحب البقبقة الإعلامية.
عندما تشكلت لجان عدة لترسيم الحدود بين اليمن وعُمان، طالب كل طرف بمطالبات بعيدة المدى ومبالغ فيها إلى حد كبير؛ فقد طالب اليمنيون بجزر الحلانيات على أساس أنَّ أيام الاحتلال البريطاني لعدن كانت السفن البريطانية تخزن بضائعها في الحلانيات، وربما كانت حينها شركة الهند الشرقية تستأجر هذه الجزر للتخزين فيها.
بينما طالب الجانب العُماني وأدعى أنَّ المهرة وسيحوت وحتى حضرموت وصولًا إلى شبوه كلها سلطنات عُمانية.
وعندما لم يتفقوا على ما كلفوا به جلس القائدان العظيمان السلطان قابوس بن سعيد وعلي عبدالله صالح- طيب الله ثراهما- وقد بادر الرئيس علي عبدالله صالح وأعطى الخارطة والقلم للسلطان قابوس، وقال له حدد أنت الحدود وأنا موافق عليها. وبما أن الكريم يرد الكرم بأكثر منه؛ فقد خطَّ السلطان قابوس خطاً مستقيماً ولا يوجد فيه نتوء، إلا عند حصن حبروت، حفاظًا على مكانتها التراثية وقيمتها المعنوية وكذلك حافظ على أعلى كثبان رملية في العالم، بينما أدخل شحن، وكانت حينها مدينة عُمانية ناشئة تكاد تكون كاملة بجهود عُمانية مع مساكنها الاجتماعية. وقد تألمت حينها على المستوى الشخصي فقد كان أول مشروع أشرف عليه كمهندس مشروعات في حياتي المهنية هو المساكن الاجتماعية في شحن وقد ذهبتْ لبلد آخر غير بلدي.
لكن عندما فهمت فيما بعد الهدف والمبتغى آمنت بالحكمة والنظرة الواسعة والرؤى وامتداد الأفق.
واليوم عُمان بفضل الله حدودها آمنة ومستقرة وموثقة مع كل دول الجوار دون استثناء ونسخ من تلك الاتفاقيات مودعة لدى الأمم المتحدة، وحاليًا ولله الحمد حدودنا موثقة وآمنة مع اليمن الشقيق ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة والمملكة العربية السعودية الشقيقة وجمهورية إيران الإسلامية الصديقة، وهذه هي نعمة الأمن والأمان التي نتحدث عنها دائمًا، والتي نعيشها ولله الحمد والفضل والمنة والتي قد لا يفهم البعض معناها ومغزاها لأنَّه لم يعش معنى وقسوة وغلو فقدانها.
لقد ثبت للعالم أجمع أن الحروب لا تصنع السلام مهما كان حجم الدولتين المتنازعتين والفارق في القوة والسطو بينهما؛ فلم تنتصر أمريكا على فيتنام ولا على أفغانستان ولا على العراق. وحديثًا لم تنتصر روسيا على أوكرانيا. وفي التاريخ كثير من هذه الأمثلة فمهما طالت فترات الاستعمار نالت كل الشعوب الضعيفة استقلالها لإيمانها برسائلها الخالدة.
لقد أعجبني مقال مهم للأخ الأستاذ خالد بن سالم الغساني بعنوان "صرفيت خط أحمر"، والذي نشر في جريدة الرؤية تعليقًا على تصريح القائد اليمني عيدروس الزبيدي الذي ذكر فيه صرفيت، وأنا أعتقد أنَّ الرجل خانه التعبير ولم يتوفق في النطق؛ فبدلًا من أن يقول "إلى آخر الحدود مع سلطنة عُمان الشقيقة"، قال "إلى صرفيت"، ولا أعتقد أن الرجل لديه ذلك الدهاء السياسي ليلمح بالقصد أو حتى بالمعنى مستخدمًا كلمة صرفيت؛ لأنه لو كان لديه ذلك الدهاء لما فضل مصالحه الشخصية على مصالح بلاده؛ حيث إنه ليس من مصلحة بلاده أن يتقدم بمليشياته نحو حضرموت والمهرة، ففي ذلك مخاطرة نارية من العيار الثقيل قد تدخل البلد في حرب أهلية لا يعلم لها نهاية، لا قدر الله.
وكان الأجدر به أن يوجه قواته نحو الشمال وليس إلى الشرق، وهو يعلم أن هناك من هو أعلى منه وهو الرئيس رشاد العليمي المعترف به دوليًا، وأنه ليس الرئيس المطلق والمفوض، والنتيجة فقد عاد إلى أماكن تموضعه بعد الوقفة الشجاعة والحكيمة والعقلانية والمنطقية من المملكة العربية السعودية الشقيقة التي تعرف الواقع والمواقع والحقوق والواجبات، كما إن الخارجية الأمريكية قد أبدت قلقها من هذا التصرف، وأيضًا استنكر مجلس النواب اليمني تمرد المجلس الانتقالي على الدولة.
ولكن يبقى هنا سؤال لماذا لم يطلب من عُمان التدخل لإيجاد الحلول وهي التي تظهر وقت الشدة لتحول المستحيل المستبعد إلى واقع ملموس وفي أصعب الظروف لأنها دائماً على الحياد؟
على العموم، عُمان ليست بحاجة لهذا، ولكن يبقى الظن أنَّ هناك مفاهيم مدسوسة بين السطور وحقيقة أن بلدًا مضطربًا مثل اليمن لا مجال فيه للمغامرة ولا حتى للمراهقة السياسية ويكفي ما حصل في سقطرى.
ولكن يبقى السؤال المُحير هو: هل قام المجلس الانتقالي بهذه الخطوة من محض إرادته أم أنَّ هناك توجهات داخلية أو خارجية هي التي تُريد تأجيج الصراعات الداخلية وإشعال الفتن والقلاقل بين الإخوة بقصد التدمير وهدم ما تبقى من مقومات البلد؛ لتصطاد هي في المياه العكر، كما يحلو لها. إنني وأنا أكتب هذه السطور يقفز إلى ذاكرتي كل مرة قوات الدعم السريع في السودان، فما أشبه الانتقالي بالدعم السريع وخاصة من حيث التَّوجه والمسارات وخطوات التنفيذ وربما الأهداف والمقاصد.
إنَّ ظفار العُمانية والمهرة اليمنية محافظتان متجاورتان منسجمتان متفاهمتان متعاضدتان متعاونتان مترابطتان منذ القدم، ومنذ أن خلق الله الأرض ومن عليها تربطهما أنساب ومصاهرة؛ بل توجد أكثر من قبيلة تعيش في كلتا المحافظتين يتواصلون ويتزاورون ويتعاونون ويتراحمون تجمعهم رابطة الدم والقرابة والشماجة والنسب، ولحامهما لن يفتك ولن ينفرط لأنه بني على أساس قوي لا يُؤمن بالماديات ولا يعترف بالمُغريات مهما عبث العابثون ومهما اجتهد المغرضون فربنا يديم الود والتواصل وصلة الرحم لأنها من الإيمان.
إنَّ النهضة المتجددة التي قادها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بكل حكمة واقتدار قد أعطت أفقاً واسعاً للسياسة ومدى مُتزناً للحكمة وفهماً عميقاً لتدابير الأمور ولا ننسى أنَّ جلالته- حفظه الله ورعاه- بالإضافة لما لديه من خبرة وفكر وحنكة ورؤية ونظرة شمولية للأمور وقراءة وفهم ما يدور؛ فهو خريج أكسفورد البريطانية في المجال السياسي.
وأخيرًا لا يسعني إلا أن أقول لله درك يا عُمان من بلد وما أعظمكم يا العُمانيون من شعب.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.
