اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الهند.. وتعظيم الفوائد

 

 

 

ناصر الزدجالي

أتذكر جيدًا نقاشات شبيهة بالتي تتناول اليوم موضوع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند. حينها كانت السلطنة في طور الانضمام لمنظمة التجارة العالمية. كانت الفكرة جريئة، وكان هناك الكثير من المعارضة، حتى من بعض أعضاء الفريق المفاوض ذاته. أما اليوم، فتحتفل السلطنة بمرور 25 عامًا على انتسابها الناجح لهذه المنظمة الدولية. لقد ساعد القرار في دخول السلطنة إلى سوق التجارة الدولية، وفتحت الآفاق لتحقيق مكاسب هامة سمحت باندماج اقتصادنا عالميًا.

بطبيعة الحال، الاتفاقيات هي كالتحالفات، لا تدخل الأطراف فيها دون وجود مصلحة واضحة. فالهند قوة صاعدة، ودولة تسعى إلى إعادة بناء اقتصادها، وترتيب أوضاعها الداخلية للمنافسة عالميًا. في المقابل، تعيش السلطنة مرحلة نهضة متجددة، ولديها رؤية طموحة، تسعى من خلالها إلى الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة، وبناء اقتصاد أكثر تنوعاً، وتنفيذ مبادرات لدعم الصناعة التحويلية، وتعزيز الصادرات، وإيجاد فرص تسمح بنمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وكل ما يؤدي إلى جذب الاستثمار، واستغلال المزايا النسبية للسلطنة، وموقعها الجغرافي الفريد، لإحداث فارق ملموس. وبالنظر إلى الواقع، يمكن أن ترى العين بوضوح، توفر فرصة كبيرة للسلطنة، فالهند دولة جارة، واقتصادًا ضخم في حدود 3 تريليونات دولار، وسوق استهلاكي واعد للمنتجات الصناعية العمانية، بالإضافة إلى ما تمتاز به من قدرات استثمارية هائلة.

من أجل هذه المصالح، أدركت الاطراف أنَّ المرحلة تستلزم جرأة أكبر، وسرعة وإنجازًا أعلى، والمصلحة تكمن في بناء شراكات استراتيجية ناجحة، ومد جسور متينة، مع ضرورة حسم المواضيع سريعًا، وإبقاء الخلافات الضيقة جانبًا. بالطبع هناك مصالح للهند في هذه الاتفاقية، لكن يُمكن أن تكون مصالح السلطنة أقوى إذا استُغلت بالشكل الأمثل. أجزم بأنَّ فكرة الاتفاقية هي مسعى عُماني خالص، تمامًا كما إنَّ الاتفاقية الهندية مع المملكة المتحدة، التي وقعت قبل نحو ستة أشهر، هي فكرة من المملكة المُتحدة.

نعم، ستكون هناك تحديات وسلبيات في المراحل الأولى، لكن هناك فرص يمكن أن تحمل فوائد كبرى للاقتصاد الوطني. وبينما يكثر الحديث عن التحديات القانونية وتأثيرها على السيادة، ويناقش هاجس التأثيرات المحتملة على هيكلة سوق العمل وفرص العمل به.

لا يوجد في المقابل حديث كافٍ عن الفرص الواعدة والتأثيرات الإيجابية المحتملة للاتفاقية على اقتصادنا. بالتأكيد، سيادة الدولة هي أساس لأي اتفاق، وفي هذا الجانب، أعتقد أن الأطراف لديها من المرونة ما يكفي، لاتخاذ موقف صريح في حالة وجود تأثيرات تمس السيادة، أو تؤثر على المصالح الحيوية للدولة.

بالطبع، هناك دائمًا مجال لتحسين أسلوب إدارة الملف، وتحسين الشراكة المجتمعية، وكذلك في تهيئة وتوجيه التعاطي الإعلامي مع الاتفاقية، لكن التفاؤل مطلوب، ومنهج اقتصادنا الحر في الأساس لا يتعارض مع مثل هذه الشراكات.

بالنسبة لي، الحوار الحقيقي، هو كيف يمكننا تعظيم الفوائد، وكيف نستطيع أن نسهم في تحقيق أهم أهداف رؤيتنا؛ وهو التنويع الاقتصادي، وكيف نوظّف هذا الإنجاز عمليًا، ونتمكن من معالجة التحديات التي قد تطرأ مع الوقت.

لقد وقعت السلطنة اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة في 2009، لكن يجادل البعض بأننا لم نستثمر فيها بالشكل الأمثل. وقد ينطبق الوضع نفسه على الاتفاقية المقترحة مع الهند. لذلك، يتحتم ايجاد فريق تنفيذي لمتابعة التنفيذ، ورصد دقيق لضمان تطبيق يتوافق مع التوقعات. والأهم من ذلك، يتطلب بلورة رؤية واضحة لكيفية مساهمة الاتفاقية في زيادة الصادرات العمانية وتعديل الميزان التجاري وتكامل سلاسل القيمة العالمية وزيادة التبادل التجاري وجذب الاستثمارات.

ومع الاعتراف بالتباين في الآراء، فإنَّ الحكم المُستعجِل غير مُحبذٍ، وأن النتائج هي التي ستتحدث، وحتى ذلك الحين، وإلى أن نتيقّن من هذه الحقائق، يتطلب الأمر منَّا الثقة بالنفس، وإعطاء الاتفاقية المساحة والفرصة اللازمة، مع أهمية دراسة الهواجس، ومعالجة التحديات من خلال حسن إدارة الملف، وبناء جدران حماية ذاتية، ومواصلة العمل بجد لتقوية اقتصادنا الوطني.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z