حمود بن علي الطوقي
مع إسدال الستار على فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2025 في دورته الثامنة والأربعين، والذي حلّت فيه سلطنة عُمان ضيف شرف هذا العام، يمكن القول بثقة إنَّ السلطنة نجحت في تقديم صورة حضارية وثقافية مشرقة. فقد استطاعت وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وبمشاركة أكثر من 20 مؤسسة رسمية ودور نشر عُمانية، أن ترسم حضورًا عميقًا يليق بالسلطنة وبمكانتها الثقافية.
كان الجناح العُماني مُميزًا بشهادة الجميع؛ إذ احتفت الكويت بطابعه العُماني الأصيل، وبالإرث الفكري والحضاري الذي حملته المؤسسات المشاركة. ولعل الحضور الرسمي العُماني بمشاركة معالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام، وسعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة، وسعادة الدكتور صالح الخروصي سفير سلطنة عُمان لدى دولة الكويت. ولا شك أن مشاركة أكثر من 20 جهة رسمية ودور نشر، أعطت بُعدًا ومكانة لهذه الزخم المتميز، ولقد أسعدني كصحفي وكاتب وناشر لمجلة مرشد للأطفال أن أكون جزءًا من هذا الحدث الثقافي البهي، وأن أرى كيف تعكس عُمان عظمتها من خلال كنوزها المعرفية وإرثها الثقافي الذي ظل حاضرًا ومؤثرًا في كل زاوية من زوايا المعرض.
ومن بين مشاهد التميّز التي لفتت الأنظار خلال هذه الدورة، جاء اختيار معالي محمد بن الزبير شخصية عامة لمعرض الكويت الدولي للكتاب 2025، وهو اختيار لم يكن عابرًا؛ بل جاء ليجسد تقديرًا لمسيرة وطنية وثقافية ممتدة، وشهادة على أثر شخصية لعبت دورًا محوريًا في صون الهوية ونشر المعرفة.
في تقديري. إن اختيار معاليه ليس تكريمًا لشخصه فحسب؛ بل تقديرًا لرمزية ثقافية عُمانية كبيرة. فالرجل مؤسس بيت الزبير، أحد أهم الصروح الثقافية العُمانية وأكثرها تأثيرًا في حفظ الذاكرة الوطنية. كما إنه صاحب تجربة حياتية ثرية وثّقها في عدد كبير من الكتب والمخطوطات آخرها كتابه «أوراق لن تسقط من الشجر»، الذي يستعيد فيه سنوات دراسته في الكويت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، في سرد إنساني يعكس طبيعة العلاقات العميقة بين البلدين.
ولعلّ ما يجعل هذا التكريم أكثر قربًا إلى نفسي، أن معرفتي بمعالي محمد بن الزبير ليست وليدة اللحظة؛ فقد عرفته خلال عملي الصحفي ومتابعتي لأنشطته حين كان يشغل منصب مستشار جلالة السلطان للشؤون الاقتصادية، وعرفته عن قرب عبر مشاركتي المستمرة في الفعاليات الفكرية والثقافية التي يحتضنها بيت الزبير. وهناك تعرّفت عليه كمصور مُحترف بعدسته المميزة، وكإنسان هادئ، مرحّب، مقرّب من الجميع. كما تربطني علاقة تقدير واحترام بأبنائه الكرام: الزبير، وخالد، ورشاد، وحسام.
كنت أُشاهدُ معالي الزبير ينتقل بين أروقة المعرض لمتابعة أبرز الإصدارات ويناقش دور النشر عن الكتب والإصدارات الجديدة وكان يتوافد عليه زوار المعرض لالتقاط صور تذكارية معه. وهذا الحضور البارز لمعالي محمد الزبير جعلني كصحفيّ أن أوجّه سؤالاً لعدد من الشخصيات الرسمية في الكويت حول سبب اختيار محمد الزبير الشخصية العامة لمعرض الكويت للكتاب في دورته الـ48؛ فجاءت الإجابات لتعكس إجماعًا واضحًا على مكانته وقيمته الثقافية. فقد قال لي معالي عبدالرحمن بداح المطيري وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب ورئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، إن اختيار معالي محمد بن الزبير «يجسّد عمق العلاقات الأخوية التي تجمع الكويت بسلطنة عُمان»، مشيرًا إلى أن معاليه «شخصية رائدة في المشهد الثقافي الخليجي، أسهمت في صون التراث وتعزيز المعرفة، وأن تكريمه يأتي تقديرًا لجهوده وبصمته الواضحة في الفكر والثقافة والتنمية». وأضاف أن وجود عُمان ضيف شرف للمعرض وتكريم إحدى أبرز شخصياتها «يعزّز التعاون الثقافي الخليجي ويؤكد رسالة المعرض في الاحتفاء بصنّاع المعرفة وروّاد الفكر».
وحرصت على سؤال الأستاذة عائشة المحمود الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، التي كانت تشارك في الجلسة الثقافية عن شخصية محمد الزبير عن سبب اختيار محمد الزبير فقالت إن الاختيار «لم يأتِ مصادفة»؛ بل استند إلى «تقييم عميق لمسيرته الثقافية والإنسانية»، مؤكدة أن معاليه «مؤسس لصرح ثقافي مهم هو بيت الزبير»، وأن تجربته التعليمية في الكويت «تضفي بُعدًا وجدانيًا يثري ذاكرة المعرض». واعتبرت المحمود كتابه الأخير «وثيقة ثقافية وإنسانية تضيء مرحلة مهمة من العلاقات العُمانية الكويتية».
أما الأستاذ خليفة الرباح مدير معرض الكويت الدولي للكتاب، فقد أشار إلى أن معالي محمد بن الزبير «يمثل شخصية ذات رمزية كبيرة للثقافة الخليجية»، لافتًا إلى أنه «يجمع بين الإدارة والثقافة، وله بصمة واضحة في الحراك الفكري»، وأن وجوده في مدارس الكويت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي «منح قصته بُعدًا إنسانيًا خاصًا يجعل من تكريمه تقديرًا لقيمة تربط الماضي بالحاضر».
اجزم ان هذه التصريحات من أعلى المستويات الرسمية تعكس بوضوح أحقية هذا التكريم، وتؤكد أن اختيار معالي محمد بن الزبير لم يكن إلا احتفاءً برمز ثقافي عربي وخليجي، وبمسيرة استحقت أن تُكرَّم في إحدى أهم المنصات الثقافية العربية.
اختم مقالي بالقول إن اختيار معالي محمد الزبير كشخصيّة عامة لمعرض الكويت الدولي للكتاب جاء مستحقا لرجل قدّم الكثير لعُمان وللثقافة العُمانية والخليجية كما مثّل هذا الاختيار امتدادًا للحضور العُماني البهي في المعرض، وترسيخًا لمكانة السلطنة كوجهة ثقافية رصينة تحمل إرثًا عريقًا ورؤية ومنهجا متجددا في المعرفة، والثقافة والإبداع.
