اليوم الوطني.. القيمة والأثر

 

 

د. محمد بن خلفان العاصمي 

 

تمثل الأيام الوطنية لدى الشعوب قيمة كبيرة؛ فهي ليست مجرد أيام تمر كل عام، تُقام خلالها الاحتفالات والعروض، وتُعلَّق فيها الزينة في كل مكان. هي أبعد من ذلك وأكثر عمقًا، هي ذات معنى كبير وذات بُعد وطني يرسخ مكانة الوطن في قلوب المواطنين. الأيام الوطنية إرث تاريخي للشعوب، وامتداد وجداني لمفاهيم المواطنة وقيم الانتماء والولاء، وهي تجديد لعهود الوفاء والإخلاص والتضحية من أجل الوطن، وهي مؤتمر وطني عام لمراجعة وتجديد الهوية لدى المواطنين.

  1. الانتماء:

في اليوم الوطني تحتفل الأمة بمختلف أطيافها ونسيجها الاجتماعي والثقافي وبتنوعها الفكري بهذا اليوم، حيث تتجسد قيمة الانتماء لهذا الوطن من خلال هذا اليوم، عندما يعبر الجميع عن أن هذا اليوم الوطني يمثل تاريخًا يخصهم جميعًا، ويشعرون بأن هذا الارتباط الوجداني مع الأرض ومع من يعيش عليها هو الرابط الذي يجمعهم. في هذا اليوم تتجسد قيمة الانتماء للوطن من الجميع لهذه البقعة، وتُعزَّز لديهم مشاعر الألفة والاحترام والتقدير لجميع أفراد الشعب بتنوعهم الثقافي والاجتماعي. فالانتماء شعور بالارتباط الوجداني يتكون لدى الإنسان اتجاه وطنه، ويحس معه بمشاعر الرغبة في البذل والعطاء والتضحية والحفاظ عليه وحمايته من أي سوء قد يتعرض له.

  1. الولاء:

الأيام الوطنية لدى الشعوب مواعيد لتجديد الولاء للوطن وقيادته؛ فمن خلالها تُجدَّد عهود الولاء للوطن وقيادته ورموزه، وتتوثق عُرى الإخلاص؛ حيث ترسخ الأيام الوطنية للشعوب كيف ساهمت هذه القيادات والرموز الوطنية في رسوخ الوطن وتقدمه، وحافظت على وحدته وكرامته سواء في الماضي أو الحاضر. والواجب أن يكون ذلك حاضرًا في ذاكرة الشعب؛ لأنها تمثل القيمة الأساسية للدولة واستمرارها في النمو والتطور والازدهار. فالإرث الذي تفتخر به الشعوب يرتكز على ما قدمته الأجيال السابقة من بذل وعطاء وتضحيات، وما حققه الوطن من رخاء وازدهار وقيمة حضارية للشعوب. ولذلك فالأيام الوطنية تغرس لدى المواطن قيم الولاء للوطن وقيادته ورموزه التاريخية.

  1. ربط الأجيال بالتاريخ:

هذا البُعد الهام الذي تقدمه الأيام الوطنية والاحتفاء بها أمر في غاية الأهمية؛ فالارتباط بين الإنسان والأرض يتولد من خلال تعاظم مشاعر الفخر والاعتزاز لدى الإنسان، وعندما يمتلك الإنسان ذاكرة تاريخ حافل بالإنجازات والأمجاد عن وطنه فهذا يعزز لديه مشاعر الولاء والانتماء. ولذلك فالأيام الوطنية فرصة كبيرة لربط الأجيال بتاريخ الوطن وأمجاده ومنجزاته وأثره وتضحيات الأولين ومآثرهم. هو استذكار لبطولات وإنجازات سُطرت في التاريخ وسرد لمسيرة الوطن وصموده، وهو محفل سنوي يستعيد فيه الوطن ذاكرته التاريخية لتُروى للأجيال. ولذلك يجب أن تركز الأيام الوطنية على هذا الجانب حتى تدرك الأجيال قيمة الوطن.

  1. التنمية المستدامة والمواطنة:

الأيام الوطنية فرصة لمراجعة ما تحقق من منجزات ورسم المستقبل والتطلعات؛ هي سانحة للنظر إلى واقع العمل المنجز، وتقييم ما تحقق، ومتابعة النقلات التي تعيشها الدولة، وتقييم مسيرة التنمية وما تحتاجه في المستقبل. الأيام الوطنية مقياس للمواطنة الصالحة؛ فهي مراجعة ذاتية بين الفرد وذاته: هل ساهم في تحقيق التنمية كفرد؟ وهل قدم ما يتوجب عليه للوطن؟ وما الدور الذي عليه أن يلعبه ويساهم من خلاله في مسيرة التنمية والتطوير الوطنية مستقبلًا؟ هذه الأيام فرصة للمراجعة الذاتية وتقييم الحقوق والواجبات وتحديد التوجهات الفردية من أجل النهوض بالوطن.

  1. الهوية الوطنية:

الهوية الوطنية هي المجموعة التي تجعل الشعب يشعر بأنه ينتمي لوطن واحد، وتشمل التاريخ المشترك، الثقافة والعادات، اللغة، القيم. وتأتي الأيام الوطنية لترسخ مفهوم الهوية الوطنية لدى الفرد؛ فالتاريخ الذي تفاخر به الأجيال، وعناصر الثقافة المادية وغير المادية كالقلاع والحصون والآثار والفنون، هي عناصر بارزة في احتفالات الشعوب بالأيام الوطنية. وكذلك العادات والتقاليد والمحافظة عليها وتعزيز القيم الوطنية الأصيلة جزء مما تعيشه الأمم في أيامها الوطنية. ولذلك فإن استحضار التاريخ والمحافظة على الفنون التقليدية والتراثية وترسيخ العادات والقيم أمر بالغ الأهمية في هذه المناسبة الوطنية حتى تظل الهوية الوطنية حاضرة دائمًا، ولا يمكن لشعب لا يملك هذا الإرث الحضاري المُهم أن يتقدم ويتطور

هكذا هي الأيام الوطنية، وهذا ما ترسخه في ذاكرة الشعوب، وما تمثله من قيمة، وما تحدثه من أثر. ونحن نحتفل هذه الأيام بذكرى مرور مئتين وواحد وثمانين عامًا على تأسيس الدولة البوسعيدية، نستذكر ونستحضر التاريخ الذي ترسخت فيه هذه الدولة لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم، وهو الذي تحقق نتيجة تضحيات بُذلت وأرواح قُدِّمت ليظل الوطن شامخًا حرًا منعَّمًا. فحري بنا أن نجعل من هذه الأيام الوطنية ملاحم وطنية نسطر فيها معاني الانتماء والولاء للوطن وقيادته الرشيدة. وكل عام وسلطنة عُمان بخير قيادةً وشعبًا وأرضًا.

الأكثر قراءة

z