إسماعيل بن شهاب البلوشي
بمناسبة اليوم الوطني المجيد، وبين أصوات الفرح التي تعانق سماء عُمان، نقف نحن أبناء هذا الوطن على ضفاف ذاكرة ممتدة، نسترجع فيها محطات القوة، ومسارات النهضة، وتاريخًا من العظمة والبهاء.
وبين الاحتفالات التي تملأ القلوب اليوم، يتردد في داخلي عنوانٌ يحمل في معانيه الكثير "ما بين بدلة الحرب وخنجر السلام". عنوانٌ أردته انعكاسًا لمسيرة وطنٍ عاش القوة والحكمة، واحتوى الحرب والسلام، وقدَّم للعالم نموذج الدولة التي تجمع بين صلابة الجندي ورقّة الفكرة، وبين ثبات الميدان ونقاء الوجدان. لقد تعاهدت عُمان مع الزمان أن تبقى صامدة، ثابتة، مهيبة في كل مراحلها. تاريخها لم يُكتب على الورق فقط، بل خُطَّ على الرمال والجبال والبحار، وعلى سواعد رجالٍ آمنوا بأن الوطن لا يُبنى إلا بالإرادة، ولا يزدهر إلا بالعزيمة، ولا يبقى إلا بالحكمة.
قابوس.. وذكرى بدلة الميدان التي شيّدت الدولة
حين يأتي الحديث عن بدلة الحرب، فإنَّ الذاكرة العُمانية تمضي مباشرة إلى سنوات حكم السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه؛ ذلك القائد الذي لبس البدلة العسكرية لا لهيبة المظهر؛ بل لهيبة المسؤولية. بين ملابس الميدان التي كان يُرافق بها رجاله، وملابس العمل اليومية، وبدل الاحتفالات التي كان يتصدر بها مناسبات الوطن، تَشكّلت صورة القائد الذي بنى دولة من خضم التحديات وحولها إلى نهضة من رحم تلك التحديات. ولعل تلك البدلة الحمراء الشهيرة التي كان يتناول بها العشاء بين رجاله، تبقى رمزًا خالدًا على أن القيادة في عُمان كانت دائمًا قريبة من الناس، تعرف نبضهم، وتعيش بينهم، وتتقاسم معهم الهم والفرح، والخطر والنجاح.
لم تكن البدلة مجرد قماشٍ عسكري؛ بل كانت إعلانًا واضحًا بأنَّ بناء عُمان لم يكن أمنًا نظريًا، بل كان أمنًا مُعاشًا، وحضورًا فعليًا في الميدان، رسم حدود الأمان، ورعى استقرار الداخل، وأعاد للوطن مكانته وهيبته.
الخنجر.. رمز السلام ورمز الدولة
وفي الجانب الآخر من العنوان، يقف الخنجر العُماني، ذلك الرمز المهيب الذي يتمنطق به رمز عُمان المهيب جلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم أيده الله والذي تجاوز قيمته كقطعة تراثية إلى أن يصبح شعارًا للدولة نفسها. الخنجر ليس سلاحًا في يد العُماني اليوم؛ بل هو صورة هويته، وسلام ثقافته، ووقار تاريخه الطويل. إنّه قطعة حملتها الأجيال في الاحتفالات، والمناسبات، والمواقف الوطنية، لا لتُشهر في وجه أحد، بل لتُعلن أن عُمان بلدٌ يؤمن بالسلام قوةً، وبالحكمة سلوكًا، وبالمحبة طريقًا.
ما بين بدلة الحرب التي لبسها الرجال ليحموا الوطن، والخنجر الذي يلبسه الرجال في المناسبات والأعياد، ترسم عُمان فلسفتها: قوة تحمي… وسلام يبني… وحكمة تدوم.
هيثم المُعظم.. قائد الوطن والمبحر في تطوير الاقتصاد ووريث الرؤية المشرفة المستمدة من آبائه وأجداده.
وحين نصل إلى الحاضر، فإنَّ الحديث يصل إلى مقام حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الرجل الذي حمل الراية من بعد مؤسس النهضة، ليبدأ مرحلة جديدة في تاريخ عُمان، قوامها الاقتصاد، والاستثمار، والشراكات العالمية، والإدارة الحديثة.
لقد اختار جلالته أن يقود المرحلة بلغة مختلفة، لا تقل قوة عن لغة الميدان؛ بل تكملها لغة الأرقام، والفرص، والانفتاح، والحوكمة، وإعادة بناء مؤسسات الدولة بما يتناسب مع المستقبل. إنه القائد الذي يستثمر في الإنسان، وفي المحافظات، وفي العالم الخارجي، لإنتاج اقتصادٍ قوي، وبنيةٍ متجددة، وأفقٍ تتسع فيه الفرص.
والحراك الذي تشهده المحافظات اليوم، من مشاريع، واستثمارات، وتخطيط عمراني، وإعادة توزيع للأدوار التنموية والمنافسة الشرسة القوية، ليس إلا نتيجة لرؤيةٍ واضحة أرادها جلالته أن تنزل إلى أرض الواقع، وتلبي احتياجات الناس، وتحترم رغباتهم، وتعيد لعُمان مكانتها على الخريطة الاقتصادية الدولية.
لقد أثبت السلطان هيثم أن الحكم ليس انتقالًا في السلطة فقط؛ بل انتقال في الفكر، وفي المنهج، وفي أدوات البناء.
يوم وطني.. وذاكرة بين جيلين
في هذا اليوم الوطني، نقف بين جيلٍ عاش الولادة الصعبة لعُمان، وجيلٍ يعيش نموها الحديث، وجيلٍ ثالث سيكون شاهدًا على ازدهارها القادم. وبين هذه الأجيال تمتد خيوط العنوان:
بدلة الحرب التي صنعت الدولة… وخنجر السلام الذي يصونها… وقيادة تحمل الفكرين معًا.
إننا نعيش اليوم لحظات فخر، لا لأنها ذكرى وطنٍ عظيم فقط؛ بل لأنها لحظات نرى فيها كيف حافظت عُمان على صورتها: هادئة… قوية… متوازنة… لا تميل مع الرياح، ولا تنكسر أمام العواصف.
وأخيرًا.. عُمان لم تكن يومًا دولة تبحث عن الضوء؛ بل كانت الضوء الذي يبحث عنه من يُريد الحكمة. وما بين بدلة الحرب التي لبسها قادتنا ليحموا الأرض، وخنجر السلام الذي يزين صدور العُمانيين في الاحتفالات، تستمر هذه البلاد في مسيرتها، صامدة، شامخة، تنظر إلى المستقبل بثقة.
وما دام في هذه الأرض رجال يفتخرون بماضيهم، ويعملون لحاضرهم، ويحلمون لغدهم، فإنَّ عُمان ستبقى دائمًا في الواجهة، كما أرادها سلطانان عظيمان، وكما يستحقها شعبٌ عظيم.
