حمد الناصري
تنفس أحمد بعُمق. ثم رد بهدوء.. لا أفْهَم لمَ هذا التهجّم المُركّز على دُول عرب الجزيرة.؟ أليس لكُلّ مُجتمع قناعاته وأفْكاره وتقاليده...؟ فأيدولوجيّتنا تتعارض مع ثورة التحرر التي تعيشونها.. صمت قليلاً، ثم استأنف ولماذا تحشُرونَني في سياسيات وأيدولوجيّات لا ناقة لي فيها ولا جمَل.. هل تَظنون أنّني تكبّدت عَناء السَفر ومشقّة التنقّلات لكي أناقِش أيْديولوجيات سياسية.؟ قُلن بصريح العبارة.. ماذا تُرِدْن من وراء ذلك وماذا تحملنَ في جُعبتكُنّ.؟ قالت نور ضاحكة وقرّبت كُرسيّها إليه، تُعْجِبُني ثقتكَ بنفسك وتُعْجِبُني طريقة دفاعك، فالإيْمان ليس كلمة محدودة المعاني بِلُبْس أو مَظْهر لكنّها مفهوم حياة، نحن نتعامل معها ونُكيّفها بما يتناسب وظروف معيشتنا.؛ أنا معك في هذه، ما كانَ يتوجّب علينا فِعْل ذلك.. لكنها دردشة لفهم قُدرات البَشر وتعاطيها الفكري.. قالتْ مرام يلدريم محاولة منها تغيير مجرى الحوار، أنا عندما كُنت في سُوق المال أعْمل لصالح إحْدى مكاتب الاسْتثمارات، كنتُ أجد القِيْمة ترتفع وتهبط وفْق ظروف وتطوّرات مُعيّنة في ظِل تحرّر السُوق واحْتكامه لمِبَدأ العرض والطلب.. فالسُوق مكان مفتوح كالأفُق الغامِض وكالبَحْر الواسِع.. وتَتحكّم فيه آليات الصُعود والهُبوط. قالت نور مقاطعة لمرام.. أنا اتّفق معك في نظرتك للحياة، نظر أحمد إلى الفتاتين الجميلتين، مرام ذات الملامح الشّرق أوسطيّة المُشبّعة بالبَياض التركي ونُور الشّقراء ذات الدِّماء العربيّة.. لحظات صمت.. سَرت خلالها النظرات وكانت كلّ عين تقرأ الأعين الاخرى ، قطع ذلك الصّمت النظرات المُتبادلة، نادِلْ المقهى وهو يُقدّم لهم القهوة التركية بفناجِيْنها التقليدية، بعد أن ارتشفوا بعضًا من القهوة، اردفتْ مَرام تقول في الحقيقة أنا لا أحِبّ الاخْتلاط بالغُرباء أشْعُر بخوف كُلّما اقتربَ مني شخص غريب ... خوف لا أدْركه.؛ عقّبت نور.. كُلّ اخْتلاط إنْ لمْ تَصحبه هَدهدة نفسية رقيقة بِلُغتها أو بحركة مُتشابهة أو مُتقاربة، أعتقد أنها هدهَدة غير مُتكافئة وضَررهُا على النفس أكْثر مِن نفعه.؛ حكّت أرنبة أُنفها، واسْتطردت، عَكْس الخَمر نَفْعُه أكْبَر وضَررهُ أقلّ.! مَزجتها بضحكة مرحة؛ ثم أردفت: أنا شابّة طمُوحة لديّ مِن الطاقة ما تُؤهّلني لأكون مَلكة الكون بأسْره.. فانا أعْشَق الحياة ومَلذاتها، مَن يُلفِت انْتباهِي ويُعْجِبُني هو مَن يَسْتحقّني...! ضحكتا معاً نور ومرام وتلاقَتْ أيْديهما.. قالت مرام، هيّا احمد شاركنا لحظة السعادة، كُنْ سَعيداً.. تَمْتَم ساخِراً، أنا أحمد ولستُ سَعِيدًا وارتشف رشفة من قهوته.. قالتْ نور مُعلّقة على القهوة.. منذ صِغري المُبَكّر وأنا أعْشَق القهوة.؛ الْتفتت إلى أحمد.. ماذا عنك.؟ قال أحمد.. أنا لا اتَناولها كثيراً وأفضّل الشايْ، لا أحِبّ مَرارة القهوة.!! ضحك فالقهوة تحتاج إلى حلوى عربيّة...! تضاحكا معاً قالت نور.. إذنْ أنْت تُحِب السُخونة أكْثر من البُرودة.؟ كيف قال أحمد.؟ عقّبت نور.. الذي يَشرب القهوة السّاخنة ثم يَتبعها بحلوى أو يشرب الشاي مَسْبوقاً بغيره، فهو مُنافس قوي.! وها أنتَ تشرب القهوة دون حلوى.؟ فردّ مُبتسماً وهزّ رأسه.. كُلٌ في وقته جميل وحين تأتِيه صَبابته سوف يفيض بعواطفهِ دون أنْ يسْبقه أو يتبعه بشيء.؟ عقّبت نور.. ها أنا أمامك ساخِنة هادرة، ألا يُعجبك قوامِي.. حرّكت جسَدها وتململت في كُرسِيّها وهزّت برأسها لتظهر جمال شَعرها الأشْقر في حركة تُشْبه حركة الطاووس، بل هيَ برشاقتها جسّدت حركته حين برزت رشاقة رِدْفيها فضاقت بهما تَنُورتها الصفراء.. وحينها تلاقت يَد مرام بيَد نور.. وضحكا في إشارة على إلْتقاء أفكْارهما معاً.. واردفتْ نور.. لا تزعل أحمد نحن تعوّدنا أنْ نفعل ما يحلو لنا بحرية تامّة، وأن نتعايش مع النشْوة بروح لا قيود عليها.؛ في الحقيقة أنا أحِب بساطة الحياة لأنّي أجد فيها صَفاء ونقاء روحي، فلْنعش لَحْظتنا ونسْتأنس بنشْوة السعادة، فالمرح والمُتعة بين أيْدينا فلماذا نُفكّر بالغَد. ضَحكتا معاً مرة أخرى.. قالتْ مرام يلدريم وهيَ ضاحكة، أنْتَ وهيَ طُعْم شَهي كالحلوى والعَسل.. وأنا سُكّر زائد عليكما.. ضحكات تتعالى بقوة.
بَعْد هدوئهما أردفتْ مرام يلدريم.. أنا لا أحِبّ العلاقات الحميمة.. بانَتْ ضحكة ملأتْ شِدْقَيها، لقد انْتهَت طاقتي وغربَ نشاطي، يُعجبني التأمُّل، واسْتمتع بمراقبة الناس جِيْئة ورَوحة.؛ وتعالتْ ضحكاتهم معًا مرة أخرى.!
جلست نُور قُبالة أحمد، فلم يستطع أنْ يَشِيح نظره عن جمالها وكانت تنُورتها القصيرة وجُيوبَها المفتوحة تكشف بعضًا من مفاتنها.. انزلقتْ نظراته تَتفحص جسَدها وكأنهُ رُخامة مَصْقولة.؛ ثبّت نظرهُ إلى عَجْزها وأطالهُ في بَلُوزتها وهيَ تنفتح عن صَدر واسع وقفا كالصَلِيب عليهما وبَرزت حركة انْشقاقه عَن حمّالة عاريَة مُمزّقة بطريقة مُثيرة الإغْراء مُتصنّعة لِنَظرة مجانية.. نُور تُدرك جيدًا أنّ بُروفتها العارية مَكْمَن الإغْراء فتسْتغلّها لِتُدمّر مَعْقل التّعفف لديه فيأتِيْها صاغراً ذليلاً إلى مِحْراب أنوثتها الطاغية، هزّ أحمد رأسه وهمس في داخله، نعمْ هيَ كما عَبّرت عنها صديقتها مرام يلدريم بأنّها طُعْم شَهِي.! وتخايل ظُهورها وتفاخُرها وكادت تُخْرجهما من مَحْصَنهما.. هزّ رأسه وضغط على بوزه وفي داخله رغبة قوية وهمس، حقاً لكأنّها طُعْم شَهي ينْتظر من ينقضّ عليه فيرتشف ما اشْتاق إليه.؛ وبدتْ تُثِير حواسّهُ، وشعر برغبة عارمة في إلْتهامها وقال في نفسه، ما الذي يمنعني ولماذا أقاوم رغبتي.؟ فقد تذهبْ وتذهب معها فُرصة العُمر ... لن أفْلُتها؟ لن أتركها.؟ لنْ تذهبَ فُرصة العُمر.؟.
نظرَ أحمد الى ساعته، وقال مُتمتماً، يا إلهي.. أحتاج إلى نومةٍ عميقة، فمنذ أنْ وصَلت اسْطنبول لم أحْظى بوافر من النوم.. يَلْزمني أن أبْقى ساعات طويلة في غرفتي لكيْ اسْتعيد بها نشاطي النفسي وقُوتي البدنيّة.. ويُقال.. الْتفت إلى نور أوغلو وقال، غداً برنامج الرحلة إلى بحر مَرمرة.! فعقّبت نور.. غداً ستكون ضَيفنا إذنْ.؟ أنا اسْكُن في بيكوز ، منطقتنا غنية بالأسْماك، ستكون يوم غدٍ فُرصة للعيش مع الطبيعة ومُمارسة صَيد الاسْماك.. بلدتنا جميلة برائحة البحر، تتناغم مع رائحة بحر مُضيق البوسفور.؛ قاطعتها مرام يلدريم.. لا أعتقد الرحلة ستكون إلى مُضيق البوسفور.. لنْ يَصِلوا بيكوز اعْتقد، اطْمأنّي ستكون رحلتهم إلى غربيتشه أو صاري ير .. نعم جميلة بيكوز، نظراً لموقعها المُتميّز في الجانب الآسيوي.. وأنْتِ يا نور مَكْسب كبير لأحمد في رحلته.
ابتسمت نور أوغلو وهمستْ، مرحباً بك سِيْدي أحمد.. أتشرف بمرافقتك.. وتبادلا معه ابتسامة تنبئ بأشياء كثيرة.
