عائض الأحمد
صمتها موحش، ثقيل، كظلّ يلتهم المكان. تتندّر وتعلو قهقهتها في الأرجاء، ثم تعبس فجأة حين تراك، كأن غضبًا ارتدى جسدها، أو سقطت من علوٍ شاهق فتلقّفتها الأرض، وغمرت ملامحها بالسواد. عيناها تحملان صراعًا خفيًا، وشفاهها تنطق بلغة لا يفهمها إلا من يراقب بتمعّن. كل حركة فيها صدى ألمٍ قديم، وكأن الزمن يحاول ردم فجوة في روحها لا تُغلق إلا بالخيال.
هي كمن يصرّف جهده في إصلاح ما أفسده الدهر، أو كمن يرتّب حطام عاصفة سلبت كل شيء. كلما اقتربت، شعرت بأنها تتلاشى، تاركةً خلفها أثرًا من الغموض والحيرة، كلوحة مشوّهة تجمع بين الجمال والخراب.
كل خطوة نحوك مغامرة على حافة الهاوية، وكل كلمة غير منطوقة تُثقل القلوب كحجارة لا تنكسر. ورغم ذلك، أجدني مشدودًا إليك؛ أنتِ الوحيدة القادرة على إعادة ترتيب فوضى الروح، تسيرين أمام ناظري كالضوء الذي يخفّف وطأة الظلام من حولنا. كل لحظة بيننا كقطعة زجاج جارحة، تؤلم وتجرح، لكنها في الوقت نفسه تلمع بجمال مؤقّت، لا يدركه إلا من يجرؤ على الاقتراب.
إن اخترتِ البقاء، فاعلمي أن كل ثانية ستكون معركة: بين الحاضر وآثار الماضي، وبين ما نحن عليه وما نصبو إليه. ومع ذلك، في قلب هذه الحرب تكمن حقيقة واحدة: وجودك الآن قد يغيّر كل شيء، ويمنحنا فرصة أخيرة لنحيا زمنًا نستحقّه… ولو للحظة واحدة فقط.
كتبتُكِ لا لتقرئي؛ بل لأراكِ بين الحروف بعد حين؛ لأحتفظ بصورة صمتك، وغضبك، وابتسامتك العابرة، كما لو كنتُ أجمّل لحظة لا يملكها من مرّ من هنا، ولم يستطع أن يمحوها من الذاكرة.
لها: صمتك خنق بقايا الحديث، وأيقظ جراحًا كنتُ أظنّها غفَت في حضن الماضي.
شيء من ذاته: حينما تغرب هنا، يستقبلها آخرون هناك… سُنن تغيب عنها.
نقد: تدعوك للرحيل وتُمسك بتلابيبك.
