من 1744 إلى رؤية "عُمان 2040"

20 نوفمبر.. محطة تعيد رسم الوعي الوطني العُماني

أنور الخنجري

alkhanjarianwar@gmail.com

يُمثِّل اعتماد يوم العشرين من نوفمبر يومًا وطنيًا لسلطنة عُمان خطوة محورية في إعادة صياغة الوعي الوطني وتوجيه سرديته نحو تأصيل أعمق للجذور التاريخية للدولة؛ فقد أعلن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في 11 يناير 2025 هذا التوجه، خلال خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة لتولي جلالته مقاليد الحكم، مُقدِّمًا رؤية متكاملة تستند إلى فهم واع لطبيعة الدولة العُمانية ومكانتها في التاريخ الإقليمي والدولي.

لقد جاء هذا التوجه بمثابة إعادة ترتيب للبنية الرمزية للمناسبة الوطنية الكبرى، بما يتجاوز البعد الاحتفالي إلى ترسيخ رؤية تاريخية أكثر عمقًا لمسيرة الدولة العُمانية. وهو توجه حكيم يأتي في سياق تعزيز الهوية الوطنية، وإتاحة الفرصة للأجيال الحالية للتعرف على جذورها التاريخية الممتدة، والمتجسدة في مسيرة الدولة البوسعيدية التي حكمت عُمان منذ أكثر من 281 عامًا؛ حيث يستمد هذا اليوم رمزيته من بداية عهد الدولة البوسعيدية عام 1744، وهي اللحظة التي تمكن فيها الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي من توحيد البلاد وإرساء أسس سيادتها بعد فترة من التحديات الداخلية والخارجية. وقد شكّل هذا التحول نقطة انطلاق لدولة ذات حضور سياسي وتجاري وبحري واسع امتد تأثيره إلى سواحل شرق أفريقيا والمحيط الهندي.

واعتماد هذا التاريخ يعكس رغبة جادة في إعادة ربط الهوية الوطنية بسياق تاريخي طويل، يسبق النهضة الحديثة بقرون، ويبرز الاستمرارية التي ميزت الدولة العُمانية عبر العصور. وهذا الربط يعزز شعور المواطنين بأنهم جزء من إرث جمعي ممتد، لا يرتبط بمرحلة زمنية واحدة؛ بل بتاريخ وطني مشترك يُضم أجيالًا متعاقبة؛ مما يعكس تحولًا واعيًا في طبيعة الخطاب الوطني.

وبينما ارتبط العيد الوطني سابقًا بذكرى شخصية لها مكانتها في تاريخ النهضة الحديثة، يتجه هذا القرار نحو ترسيخ هوية وطنية تستند إلى الدولة نفسها وإلى مسارها التاريخي، بحيث يضع هذا التحول المؤسسات الوطنية في موقع أكثر مركزية، ويؤكد فكرة استمرار الدولة فوق الأفراد، مهما كانت رمزية الأجيال الحاكمة ومكانتها.

ويحمل هذا التوجه في مضمونه أيضًا رسائل واضحة تؤكد حرص القيادة على صون الإرث التاريخي للدولة وتعزيز هويتها الجامعة. كما يعكس ثقة السلطنة في قدرتها على استثمار هذا الإرث وتوظيفه لتعزيز الاستقرار الداخلي وترسيخ مفاهيم الدولة الحديثة القائمة على الانسجام الوطني والوعي بالمصير المشترك. ويشير في الوقت ذاته إلى رؤية متماسكة تعترف بتاريخ الدولة الطويل وترى فيه أساسًا للتماسك الوطني ومصدرًا للقوة في مواجهة التحديات المستقبلية.

إنَّ اعتماد يوم العشرين من نوفمبر يومًا وطنيًا لعُمان هو محطة تعزز استمرارية الدولة عبر تاريخها، غير أن قيمة هذا القرار لا تكتمل إلّا بارتباطه الوثيق بالحاضر وبما تسعى إليه السلطنة في مستقبلها؛ إذ لا بُد أن يستند هذا التحول إلى رؤية واضحة ترى في التاريخ ركيزة للثقة الوطنية، وفي الحاضر مساحة لاستثمار هذا الإرث في بناء دولة قادرة على مواجهة تحديات العصر. كما يمتد أثر هذا القرار إلى المستقبل بوصفه دعوة لاستشراف ما هو أبعد من الاحتفال الرمزي؛ فهو يضع الأساس لمرحلة جديدة يتعزز فيها الوعي الوطني، ويتسع فيها نطاق المشاركة المجتمعية، ويتأكد فيها دور الدولة في صياغة مستقبل قائم على المعرفة والابتكار والقدرة على الاندماج في التحولات العالمية.

وهذا اليوم الوطني الجديد يمثل جسرًا يصل بين إرث 3 قرون ومسار دولة عصرية تتطلع بثقة إلى مكانة تليق بتاريخها، وتستثمر إمكاناتها من أجل أجيال قادمة قادرة على مواصلة البناء على قاعدة قوية من الهوية والوعي والمسؤولية.

وفي الختام.. إنَّ اعتماد يوم العشرين من نوفمبر يومًا وطنيًا لعُمان ليس مجرد تغيير في تاريخ الاحتفال أو مناسبة لتذكر الإنجازات التنموية؛ بل خطوة عميقة تعيد قراءة الهوية الوطنية وترسخ جذورها التاريخية، ويقدم فرصة لبناء وعي وطني يتسم بالشمولية والنضج، ويُعبِّر عن دولة تمتلك تاريخًا عريقًا ورؤية واضحة لمستقبلها. ومع اقتراب أول احتفال بهذا التاريخ، تستعد السلطنة لمرحلة جديدة من تعزيز مكانتها التاريخية وترسيخ حضورها الوطني على أسس أكثر عمقًا ووضوحًا.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة