استثمار يُعيد تشكيل مزيج الطاقة في عُمان

 

 

 

مريم  البادية

يشهد قطاع الطاقة في سلطنة عُمان تحولًا تدريجيًا من مفهوم "الإمداد" إلى مفهوم "الاستثمار". فمحطات توليد الكهرباء لم تعد مشاريع خدمية لتأمين الطلب، بل أصبحت أصولًا اقتصادية تُدار بمعايير الكفاءة والعائد طويل المدى.

ويُعد مشروع ظفار لطاقة الرياح (المرحلة الثانية) نموذجًا لهذا التحول، إذ يمثل انتقال عُمان من مرحلة التجربة إلى مرحلة التطبيق العملي للطاقة المتجددة كقطاع إنتاجي متكامل.

 وعند الحديث عن القيمة الفعلية لهذا المشروع، فإنها  لا تُقاس فقط بقدرته البالغة 125 ميجاوات، بل بقدرته على إعادة توجيه الموارد الوطنية. فوفقًا للبيانات الرسمية، سيسهم المشروع في تحرير نحو 76 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، وهو ما يخلق فرصة لاستخدام هذا المورد في مجالات صناعية أو تصديرية ذات عائد اقتصادي أعلى. وبهذا المعنى، لا يضيف المشروع طاقة كهربائية فحسب، بل يُعيد توزيع الموارد بطريقة ترفع من كفاءة الاقتصاد الوطني.

كما أن دخول تحالفات دولية في تنفيذ المشروع يعكس نضوج بيئة الاستثمار في قطاع الطاقة. فالشراكات مع مؤسسات تمتلك خبرات في التكنولوجيا والإدارة والتمويل تشير إلى أن عُمان أصبحت قادرة على استقطاب استثمارات نوعية طويلة الأمد، وتبنّي نماذج تمويل وتشغيل متقدمة تُعزز تنافسية السوق المحلية.

 

وتُظهر خريطة الطريق الوطنية للطاقة المتجددة أنَّ مشروع ظفار ليس حالة منفردة،  بل جزء من منظومة اقتصادية متكاملة، فمن المخطط في عام 2027 تنفيذ مشروع سدح لطاقة الرياح الذي سينتج 90 ميجاوات، يليه مشروع محوت بـ 800 ميجاوات، ثم مشاريع الدقم وشليم لتصل السعة الإجمالية للطاقة المتجددة إلى 9.1 ميجاوات بحلول عام 2030، أي ما يعادل 30% من إجمالي الإنتاج الكهربائي المتوقع في سلطنة عُمان.

 ويعكس هذا الاتجاه نهجًا واضحًا في تنويع الطاقة داخل القطاع نفسه، بما يضمن الاستدامة المالية والتوازن بين مصادر التوليد التقليدية والمتجددة.

من منظور اقتصادي، يمكن القول إنَّ الطاقة المتجددة في عُمان بدأت تتحول من مبادرات تنموية إلى ركيزة إنتاجية داخل المنظومة الاقتصادية. فهي تسهم في تقليل تكلفة التشغيل الحكومي، وتحفّز برامج القيمة المحلية المضافة، وتفتح المجال أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للدخول في سلسلة التوريد والخدمات الفنية، وهو ما يخلق نشاطًا اقتصاديًا متنوعًا حول قطاع الطاقة.

وبهذا الاتجاه، تضع سلطنة عُمان أساسًا تدريجيًا لاقتصاد طاقي متوازن، تكون فيه الرياح جزءًا من منظومة الاستثمار الوطني.

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة