العقار.. تقاليد البناء أم حداثة العمران؟!

 

 

 

 

علي شهاب الدين المشهور

ali@famousinvst.com

بعد الكثير من التجارب في العديد من الدول في المجال العقاري، شهدنا تحولات واكبت دخولنا واستثمارنا في العقار بمختلف الأساليب الاستثمارية، وأصبحت هذه التحولات عوامل أساسية في تشكيل تحديات وفرص جديدة في هذا القطاع المتجدد، فمنذ كان المجال العقاري مبنياً على توفير قطعة أرض أو وحدة سكنية، إلى ترسيخ مفاهيم وقيم البناء الحديث الذي يُسهم في خلق تجربة إسكانية حضارية، منبثقة من حاجة الإنسان، لتضمن له الراحة والسكينة في مسكن يلبي احتياجه، ويقدم له الرفاهية التي يبحث عنها.

لا يمكن أن نختصر التجربة العمرانية في تاريخ معين، أو حتى نناقشه بكل أبعاده، لكننا اليوم نناقش بشكل أساسي كيف ساهمت التقنية في الدفع بهذا المنتج التقليدي القديم ليكون واحداً من القطاعات الملهمة التي تستقطب التقنية، لتنتج أبرز التحولات، ولتقدم لهذا القطاع تجربة جديدة مهمة لضمان التقدم الدائم والنمو للعقار.

فمن جانب قطاع التطوير من ناحية البناء فقد شهد تحولات كثيرة، تركز في أساسها على اختصار الزمن اللازم للانتهاء من المشاريع العقارية، وكذلك رفع جودة البناء، والذي يضمن كفاءة واستدامة هذه الوحدات. ومن العمل اليدوي البدائي إلى إدخال الآلات والأجهزة في مراحل البناء، وكذلك الطرق الخاصة بعمليات البناء المتقدمة.

فعلى سبيل المثال، يفكر العديد من المطورين في استخدام نظام الخرسانات الجاهزة لبناء مشاريع عقارية لفلل وأحياء سكنية كاملة لضمان السرعة في التنفيذ والجودة في البناء، وهذا النموذج مطبق في مشاريع عديدة في المملكة العربية السعودية بعد أن أقرت الحكومة العمل بهذا النظام لما يخدم رؤية "المملكة 2030". وقدم هذا النموذج للمملكة الوصول إلى المستهدفات الإسكانية في الرؤية وتحقيق أمل المواطنين في الحصول على وحدات سكنية بوقت قياسي. وعبر منصة Modern Construction توضّح وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان في المملكة العربية السعودية أن 40% من الوحدات السكنية الجديدة في المملكة يجب أن تُبنى باستخدام تقنيات البناء الحديث (MMC) بحلول عام 2030، إضافة إلى تمكين القطاعات المساندة لتحقيق هذه النسبة. وفي تصريح لنائب وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان لموقع أرقام الاقتصادي، يقول "يوجد في المملكة 44 مصنعًا لتقنيات البناء الحديث، أما عن الطاقة الإنتاجية لهذه المصانع فهي تتجاوز 25000 وحدة سكنية سنويًا". وأضاف أن هذه المبادرة تستهدف إنشاء 80- 90 مصنعًا خلال 5 سنوات، وتوفير أكثر من 114000 وظيفة مباشرة وغير مباشرة في هذا القطاع.

أما في سلطنة عُمان وبالرغم من أن البناء التقليدي يشكل حوالي 94% من البناء حتى 2024، وفقًا لتقارير Mordor Intelligence، لكن رغم ذلك وحسب المؤشرات فإن طرق البناء الحديث في عُمان تُشكِّل ما نسبته 6% مع نظرة مستقبلية بزيادة الاعتماد على هذه الطرق لتصل قيمتها حوالي 169.9 مليون ريال عُماني بحلول عام 2028 مقارنة مع 146 مليون ريال عُماني خلال 2024.

هذا الامر الذي يدفعنا لنتأمل بشكل واقعي، مدى قدرة القوانين والأنظمة للتماهي مع تحولات العالم في مجال العمران للوصول إلى الغاية الأسمى؛ وهي تحقيق حلم المواطنين في الحصول على وحدات سكنية في وقت قياسي وبأسعار قد تكون تنافسية؛ الأمر الذي يحتاج في المقابل إلى وعي المستهلك في الحصول على وحدة مبنية بهذه الطريقة، وأنها طريقة بناء معتمدة. صحيحٌ أنها تختلف عن طريقة البناء التقليدية، لكنها تخضع للقوانين والأنظمة الخاصة بالبلد، لضمان السلامة والأمان.

والسؤال هنا هل سنرى فعلًا مشاريع عقارية لأحياء سكنية أو فلل تكون جاهزة في وقت قياسي في شهر أو شهرين؟!

في الطرف الآخر من العالم المُبتكِر والمُبدِع، تأتي واحدة من الأفكار الثورية في هذا الجانب والتي ترتكز بشكل أساسي على التحكم بالوقت، وهو البناء باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد. هذه الطريقة التي تُمكن من الانتهاء من مشاريع في وقت مثالي لبدء وانطلاق الأعمال التجارية أو حتى الإسكانية.

وفي الإمارات، أُعلنت استراتيجية دبي للطباعة ثلاثية الأبعاد برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد سنة 2016، وأكّدتها الجهات الرسمية أن تكون 25% من المباني في دبي معتمدة على تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد بحلول 2030.

غير أن هذه الطريقة- كما توفر لك اليوم الكثير من الوقت- فهي أكثر كُلفة من طرق البناء التقليدية؛ لأن الوحدة السكنية التي تستغرق في البناء التقليدي 18- 24 شهرًا، يمكن بناؤها عبر الطباعة الثلاثية الأبعاد في وقت أقل من نصف تلك المدة. وفي الأخير أنت من تختار، الوقت أو المال!

نحن نؤمن أنَّ التطور في البناء والعمران واستخدام الوسائل التقنية المختلفة التي تخدم مصالح العمل، ففي واحد من مشاريعنا السياحية التي نستعد لبدء تنفيذها وقعنا خلال الأشهر الماضية مع إحدى الشركات العُمانية البارزة في مجال البناء بالطابعات الثلاثية الأبعاد اتفاقية لبناء المشروع؛ الأمر الذي سيُشكِّل فارقًا زمنيًا مُهمًا، وكذلك تجربة عمرانية بارزة في المجال السياحي العُماني.

إن الإيمان بالتقنيات الحديثة خيارٌ لمختلف الشركات والتوجهات والحكومات، لكنها في أساسها تقوم على تقديم خيارات مهمة وملهمة تساعد الإنسان في اختصار الزمن أو توفير المال، ليس هناك أبيض أو أسود في هذه المسألة، لكن التاريخ في هذا العالم، يقدم لنا العبرة بشكل واضح وصريح. وإذا كان علينا أن نتقدم ونسابق الزمن ونحقق الرؤى، علينا أن نمتلك المرونة الكافية والقدرة على التفاعل بإيجابية كبيرة نحو الجديد في هذا العالم، خاصةً إذا ما أثبت بشكل قاطع قدرتها على أن تقود المرحلة بكفاءة وفاعلية.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة