عباس المسكري
في عالم المشاريع الحديثة، لم يعد الربح مرتبطًا بحجم المنتج أو ندرته، بل بالفكرة التي تُضاف إليه، وما يُعرف اليوم بالقيمة المضافة هو سرّ التميز والنجاح في أي مشروع، فالقيمة المضافة هي تلك اللمسة الإبداعية التي تُحوّل المنتج العادي إلى منتج فريد ومطلوب.
فمثلًا، لدينا في سلطنة عُمان ثمرة البيذام، وهي ثمرة محلية لذيذة ومغذية تُعرف في بعض الدول باسم "اللوز"، هذه الثمرة يمكن أن تتحول من منتج زراعي بسيط إلى مشروع ناجح من خلال إدخال أفكار جديدة عليها، كصناعة عصائر البيذام بنكهات متعددة، أو آيس كريم البيذام، أو حتى استخلاص زبدة البيذام واستخدامها في الحلويات والمخبوزات.
وهذا ما ينطبق أيضًا على ثمرة الفرصاد (التوت)، التي تمكّن بعض المبدعين من تحويلها إلى عصائر طبيعية وآيس كريمات فاخرة تلقى إقبالًا كبيرًا من الزبائن، وكذلك التمور العُمانية التي كانت تُباع في السابق كمنتج تقليدي، أما اليوم فقد أُضيفت إليها قيمة مضافة من خلال تحويلها إلى شوكولاتة تمور، ومعجون تمر، وحلويات فاخرة، ومشروبات طاقة طبيعية، فأصبحت من المنتجات الرائجة محليًا وعالميًا.
ومع ذلك، من المؤسف أن نرى بعض التثبيط والهجوم الذي وُجّه إلى الأخت صاحبة مشروع البيذام، لمجرد أنها تحدثت بفخر عن نجاحها وقدرتها على تحقيق دخلٍ محترم من هذا المشروع، فالبعض شكّك في إمكانية وجود كميات كافية أو تساءل عن مدى واقعية أرباحها، رغم أن الأسواق مليئة بالمنتجات العُمانية والمستوردة في هذا المجال.
لكن الحقيقة أن من يريد النجاح يجتهد ويبدع، وهي اجتهدت وابتكرت وحققت نتيجة تستحق التقدير، وكان الأولى أن نُصفّق لها ونشجعها، لا أن نحبطها أو نسخر من تجربتها، فللأسف، تحولت أقلام بعض الكُتّاب والمدونين إلى أدوات استهزاء بدلًا من أن تكون منابر تحفيز ودعم للمشاريع الوطنية الناشئة.
إن قصتها تذكير لنا جميعًا بأن النجاح لا يحتاج إلى رأس مال ضخم، بل إلى فكرة وإصرار وشغف، فقد بدأت من مشروع بسيط، ومن ثمرة محلية مهملة لا يلتفت إليها الكثيرون، لكنها برؤيتها وجهدها حولتها إلى مصدر دخلٍ وفخر، وهذه القصة ليست مجرد تجربة فردية، بل رسالة إلهام لكل شاب وشابة بأن الطريق إلى النجاح مفتوح لمن يجتهد ويؤمن بفكرته، مهما كانت صغيرة.
ومن الإيجابي أن قصتها أثارت النقاش، لأنها جعلت الناس يتحدثون عن الإبداع المحلي والمنتجات العُمانية، وهذا بحد ذاته نجاح، فكل حوار، مهما كان فيه من نقد أو اختلاف، يسلّط الضوء على أهمية دعم المشاريع الوطنية الصغيرة.
إننا نحتاج إلى أن نؤمن بأن كل فكرة تستحق أن تُمنح فرصة، وأن الفشل ليس نهاية، بل بداية طريق جديد نحو تجربة أفضل، ولذلك فإن ما قامت به الأخت صاحبة مشروع البيذام يجب أن يُدرّس كمثال على الإصرار والابتكار في تحويل البسيط إلى مدهش، وهي تستحق الشكر لا السخرية، والدعم لا التثبيط.
