عبيدلي العبيدلي **
لماذا تختلف غزة اقتصاديًا
يتشاطر وضع غزة ملامح اقتصادية مع بلدان أخرى، ولكنه يمثل أيضا تحديات فريدة، يمكن حصر الأهم بينها في المقاط التالية:
- مساحة صغيرة وكثافة سكانية عالية: على عكس البوسنة أو العراق، فإن غزة صغيرة ومزدحمة للغاية، مما يحد من النمو البري. ويعتمد تعافيها على الاستثمار المكثف في البنية التحتية والتجارة الخارجية.
- الاعتماد على الوصول الخارجي: غزة منطقة غير ساحلية باستثناء ساحلها المتوسطي. ولهذا يعتمد اقتصادها كليا على فتح الحدود البرية.
- هشاشة العائد الاقتصادي: يرتبط اقتصاد غزة مع إسرائيل ومصر، ولذا يعتمد اقتصادها على عمل الموانئ والمطارات. وبدون تعاون إقليمي، لا يمكن لغزة أن تحقق نموًا مستدامًا.
- اعتماد المانحين: مثل البوسنة، يعتمد اقتصاد غزة، بشكل كبير على المساعدات الدولية. لكن إرهاق المانحين حقيقي، غالبا ما تكون التعهدات أقل من المدفوعات. ولذلك يجب أن يكون أي عائد للسلام مرئيا بسرعة للحفاظ على الزخم.
- رأس المال البشري: يوجد في غزة سكان شباب ومتعلمون ورواد أعمال. وعلى الرغم من الظروف القاسية، أظهر سكان غزة مرونة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والصناعات التحويلية الصغيرة، والخدمات. ومع الوصول إلى التمويل والأسواق، يمكن لهذا رأس المال البشري أن يدفع النمو بوتيرة متسارعة.
- الموارد الطبيعية: يمثل حقل الغاز البحري في غزة، رصيدًا كبيرًا، ولكنه غير مستغل. وإذا تمت إدارته بشكل صحيح، يمكن أن يحد من نقص الطاقة، ويولد إيرادات المالية العامة، ويجتذب الاستثمارات. ولكن بدون حكم شفاف، يمكن أن يكرر أيضا لعنة الموارد العراقية.
هشاشة العائد الاقتصادي
حتى لو تم تنفيذ مشروع ترامب - نتنياهو للسلام، فإن المكاسب الاقتصادية هشة. إذ تلوح في الأفق العديد من المخاطر:
- فشل الحوكمة: إذا كانت السلطة الدولية الانتقالية تفتقر إلى الشرعية أو الفعالية، فقد تهدر النخب المساعدات أو تستولي عليها.
- نزع السلاح غير الكامل: وإذا احتفظت الجماعات المتشددة بالأسلحة، فسيظل المستثمرون والمانحون حذرين.
- المفسدون السياسيون: وهم كثر، ويمكن أن يمتد العنف إلى الضفة الغربية أو لبنان مما يقوض الثقة.
- إجهاد المتبرعين: وقد لا تترجم التعهدات الأولية إلى تمويل طويل الأجل، خاصة إذا كان التقدم بطيئًا أو كان الفساد واضحا.
- التوزيع غير المتكافئ: إذا تركزت فوائد إعادة الإعمار في مجموعات معينة، فإن عدم المساواة يمكن أن يغذي الاستياء.
التداعيات الاقتصادية على مشروع غزة للسلام
تشير نظريات عوائد السلام والدروس المقارنة إلى ثلاثة شروط أساسية للتحول الاقتصادي في غزة:
- ترتيبات أمنية ذات مصداقية: وبدون نهاية حقيقية للأعمال العدائية، لن يتحقق أي عائد.
- حوكمة قوية وشفافية: ويجب إدارة عائدات المعونة والموارد بمساءلة، بكفاءة عالية تحكمها شفافية مدروسة.
- المشاركة الدولية والإقليمية المستدامة: يمكن أن تفرض على المانحين والجيران والقوى العالمية أن يظلوا ملتزمين إلى ما بعد المرحلة الأولية.
وإذا تم استيفاء هذه الشروط، يمكن أن تشهد غزة تحولا اقتصاديًا عميقا. ويمكن لإعادة الإعمار أن تدفع النمو، ويمكن أن تزدهر الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويمكن أن توفر غزة البحرية الاستقرار المالي، ويمكن تعبئة رأس المال البشري. وستمتد الفوائد إلى ما هو أبعد من غزة، وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الإسرائيلي، واستعادة عائدات السويس المصرية، والحد من تقلبات النفط لدول الخليج، وتخفيف التضخم في الولايات المتحدة.
ولكن إذا كانت هذه الظروف غائبة، فإن غزة تخاطر بتكرار إخفاقات شبيهة سبقتها إليها مناطق مشابهة مثل البوسنة أو لبنان أو العراق: التعافي الأولي المدفوع بالمساعدات يتبعه الركود والفساد وتجدد العنف.
الولايات المتحدة: التداعيات الاقتصادية للسلام في غزة
على الرغم من أن الولايات المتحدة بعيدة جغرافيا عن غزة، إلا أن لها مصالح مباشرة وغير مباشرة في نجاح أو فشل مشروع ترامب ونتنياهو للسلام. وبصفتها الوسيط الرئيسي والضامن، ستشارك واشنطن بعمق في تنفيذه. فبعيدا عن السياسة، لدى الولايات المتحدة مصالح اقتصادية تربط اقتصادها المحلي بالاستقرار في الشرق الأوسط. ومن شأن خطة السلام الناجحة أن تقلل من الضغوط التضخمية، وتعمل على استقرار أسواق الطاقة العالمية، وخلق فرص يمكن التنبؤ بها لصناعتها الدفاعية، وتعزيز المصداقية الدبلوماسية. وعلى العكس من ذلك، فإن الفشل أو العودة إلى العنف من شأنه أن يطيل أمد تعطل الشحن، ويحافظ على تقلب أسعار النفط، ويفرض أعباء مالية وسياسية جديدة.
القنوات الصعودية للاقتصاد الأمريكي
1. تخفيف التضخم من خلال استقرار الشحن. فمنذ أواخر عام 2023، شن الحوثيون في اليمن هجمات بحرية في البحر الأحمر، زاعمين تضامنهم مع غزة. أجبرت هذه الهجمات سفن الحاويات والناقلات على تغيير المسار حول رأس الرجاء الصالح، مما أضاف 10-14 يوما من السفر ومليارات الدولارات من التكاليف. تضاعفت أسعار الحاويات ثلاث مرات، بينما ارتفعت أقساط التأمين للسفن التي تعبر المنطقة. وبالنسبة للولايات المتحدة، التي تعتمد على سلاسل التوريد العالمية للسلع المصنعة والطاقة، ترجمت هذه الاضطرابات إلى ارتفاع أسعار الواردات وضغوط تضخمية أوسع نطاقا.
إذا نجح مشروع السلام في غزة وانتهت الأعمال العدائية، فقد يعلق الحوثيون هجماتهم. ومن شأن تطبيع الشحن عبر البحر الأحمر وقناة السويس أن يقلل من تكاليف الشحن العالمية. بالنسبة للولايات المتحدة، هذا يعني واردات أرخص من الإلكترونيات والملابس والآلات والنفط، مما يخفف من التضخم. نظرا لأن الأسر الأمريكية شديدة الحساسية لأسعار المستهلك، فإن هذا التأثير له وزن سياسي: حتى الانخفاضات الطفيفة في التضخم يمكن أن تحسن ثقة المستهلك وتقلل من الضغط على الاحتياطي الفيدرالي.
** خبير إعلامي