حمود بن علي الطوقي
من التواريخ التي ستظل عالقة في الذاكرة تاريخ 7 أكتوبر 2023 وتاريخ 15 أكتوبر 2025، وهذا الأخير سيبقى يومًا مفصليًا في الذاكرة السياسية للشرق الأوسط، يوم اجتمع قادة العالم في قمة شرم الشيخ ليضعوا حدًّا لحربٍ مُدمّرةٍ أنهكت غزة لعامين كاملين، وخلّفت عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين، ومئات الآلاف من النازحين الذين حملوا ما تبقّى من حياتهم على أكتافهم.
وفي تلك اللحظة التاريخية، تنفّس العالم الصعداء وهو يُشاهد القادة يوقّعون على اتفاق وقف إطلاق النَّار، وسط آمالٍ بأن تكون هذه الوثيقة بداية عهدٍ جديدٍ تسوده الإنسانية والسلام.
تقدّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصفوف، وتحدّث عن مسؤولية العالم في إنهاء دوامة العنف، فيما لعبت كل من مصر وقطر وتركيا أدوارًا محورية في تقريب وجهات النظر وتهيئة الأرضية لهذا الاتفاق. ولا ننسى دور سلطنة عُمان التي كانت حاضرة في هذا المشهد التاريخي لتكون بين صفوف الكبار وتُؤكد للجميع مكانتها بأنها مثال للدبلوماسية المتزنة التي تحافظ على ثوابتها دون ضجيج، وتتحرك بصمتٍ وفاعلية في سبيل الحق والإنسان.
لقد أثبتت السلطنة، بقيادتها الحكيمة، أنّ الحياد لا يعني السكون، وأن الوساطة لا تعني التراجع؛ بل هي فعل مسؤول، ينبع من رؤية تؤمن بالسلام العادل وبحق الشعوب في العيش بأمنٍ وكرامة.
ومن خلال مواقفها الثابتة، تؤكد حضورها كصوتٍ عاقلٍ وكسندٍ موثوقٍ يقف إلى جانب أصحاب الحق، في فلسطين وكل أرضٍ تبحث عن العدالة
كانت الأنظار المحلقة للسلام تتجه لمتابعة هذا المشهد المهيب، والمليئة بالرمزية والرجاء، كأنّنا نرى غزة العزة على وشك أن تستعيد حقها في الحياة، وأن تُطوى صفحة القتل والإبادة. كمتابع
أرى خلف هذا الأمل، هناك ظلال من الخوف؛ إذ لم يغب عن الأذهان تاريخ طويل من خيبات الوعود، حين كانت التوقيعات تُجفّف حبرها بالكلمات، بينما تجهّز المدافع نفسها لجولةٍ جديدة.
وأنا أتابع المشهد، تخيّلت نتنياهو، وكل من يُعارض طريق السلام ويدعم الصهيونية المتطرّفة، يتمتم في داخله قائلًا: «الرصاصة ما زالت في جيبي»، جملة تختصر فلسفة القوة التي لا تؤمن إلا بالسلاح، وترفض الانصياع لمنطق العدالة أو القانون الدولي.
إنها ليست رصاصة واحدة؛ بل رمز لفكرٍ يختبئ وراء الشعارات، ينتظر اللحظة ليعيد إشعال النار.
وهنا نناشد العالم الحرّ أن يواجه هذا الفكر لا بالتغاضي أو المجاملة؛ بل بالموقف الواضح والعدل الصريح بأن السلام حق مشروع للجميع، وعلى دول العالم أن ترفض الاحتلال وتؤكد أن الشعب الفلسطيني من حقه أن يعيش بأمن وأمان وأن غزة بفضل المقاومة الباسلة لا تحتاج اليوم إلى بيانات الشجب، بل إلى تشابك الأيدي وتقديم دعمٍ حقيقيٍّ لإعادة الإعمار، فيها وإلى ضمانات دولية تحمي ما تبقّى من حياةٍ فوق هذه الأرض المنهكة.
لقد أثبتت التجارب أن الشعوب التي تنشد السلام، من المحيط إلى الخليج، تتوق إلى يومٍ تنتهي فيه هذه الحرب العبثية، ويُرفع عن فلسطين ثقل الاحتلال، لتعود دولةً مستقلة شامخةً حرّة، يعترف بها العالم أجمع. بأنها دولة ذات سيادة ومكانة بين الشعوب عاصمتها القدس.
أخيرا نقول للشعب الفلسطيني وللمقاومة إن ما يبعث الأمل هو ذلك الانحياز الإنساني الواسع الذي عبّرت عنه الشعوب في مختلف القارات؛ إذ خرجت الملايين في مظاهرات سلمية، رافعةً العلم الفلسطيني، مُطالبةً بوقف الحرب، ومنددةً بالظلم، ومؤكدةً أن القضية الفلسطينية لم تمت، بل ما زالت تنبض في ضمير الأحرار حول العالم.
إن هذا الوعي الشعبي المتنامي يمنح الفلسطينيين طاقة صمود جديدة، ويذكّر العالم أنَّ العدالة قد تتأخر، لكنها لا تغيب.
تحيا غزة المنتصرة.. وتحيا فلسطين الصامدة.