أكد أن المنطقة تحتاج لأكثر من تريليون دولار استثمارات خضراء

البوسعيدي لـ"الرؤية": التمويل الأخضر يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وتسريع بلوغ "الحياد الصفري"

 

نعكف على وضع إطار تنظيمي واضح وإطلاق مبادرات عملية لـ"التمويل الأخضر"

تشجيع إصدار سندات وصكوك خضراء يتيح للشركات والحكومة تمويل المشاريع الخضراء

◄ التأكيد على أهمية وضع تصنيف وطني لتحديد ماهية المشاريع الخضراء

◄ التمويلات الخضراء لم تتحول إلى منتج عملي في الأسواق المالية

◄ بناء منظومة تمويلية خضراء لجذب الشركات العالمية

◄ 20 % نسبة نمو أسواق التمويل المستدام عالميًا

الرؤية- سارة العبرية

أكد عبدالله بن علي البوسعيدي مدير عام مركز عُمان للوجستيات وخبير فريق الحياد الصفري بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، أن التمويل الأخضر يشكّل حجر الأساس لتحقيق التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون في سلطنة عُمان، مشيرًا إلى أنَّ بناء منظومة تمويلية خضراء متكاملة سيُسهم في تسريع تحقيق الحياد الصفري الكربوني بحلول عام 2050.

وقال البوسعيدي -في تصريحات لـ"الرؤية"- إن مفهوم التمويل الأخضر لا يزال محدود الانتشار في القطاع المالي بسلطنة عُمان، مضيفاً أنَّه لا توجد حتى الآن منتجات أو حزم تمويلية مخصصة بشكل واضح، رغم وجود نقاشات بدأت بين بعض البنوك والمؤسسات وتوقيع عدد من الاتفاقيات، كما أن التمويل الأخضر لم يتحول بعد إلى منتج عملي في السوق، لكنه بات ضرورة ملحّة؛ لأنه مرتبط بشكل مُباشر برؤية "عُمان 2040" ومسار الحياد الصفري 2050؛ إذ إن هذا النوع من التمويل يسهم في دعم مشاريع النقل المستدام، وإزالة الكربون، والطاقة المتجددة، كما يخلق حوافز مالية تشجع الأفراد والشركات على الاستثمار في هذه المجالات.

وذكر البوسعيدي أن تقرير البنك الدولي لعام 2024، أشار إلى أن أسواق التمويل المستدام تنمو عالميًا بمعدل يفوق 20% سنويًا، بينما بدأت دول خليجية مثل الإمارات والسعودية بإصدار سندات وصكوك خضراء بمليارات الدولارات، ما يبرز أهمية أن تبدأ سلطنة عُمان السير في هذا الاتجاه، مبيناً أن الشركات الصغيرة والمتوسطة غالبًا ما تعاني من محدودية رأس المال، ولا تستطيع الدخول في استثمارات كبيرة مثل محطات الطاقة الشمسية أو أساطيل المركبات الكهربائية، والتمويل الأخضر يمكن أن يغيّر هذه المعادلة عبر القروض منخفضة الفائدة أو آليات الدفع من التوفير (Pay-as-you-save).

عبدالله بن علي البوسعيدي.jpeg
 

وأشار إلى أن مشاريع الطاقة الشمسية، رغم ارتفاع كُلفتها الأولية، تصبح مُجدية إذا أُتيحت قروض بفوائد منخفضة، إذ تتحول خلال خمس إلى سبع سنوات إلى أصول ثابتة تحقق وفورات كبيرة؛ بل ويمكن أن تدر عوائد إضافية عبر شهادات الكربون، موضحاً أنَّ البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) قدّم نموذجًا ناجحًا في الأردن والمغرب من خلال برامج تمويل خضراء للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ مما أسهم في تمويل آلاف المشاريع في مجالات الطاقة الشمسية وكفاءة المباني.

وأكد المهندس عبدالله البوسعيدي أن التمويل الأخضر يُمثل عاملًا حاسمًا في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مشيرًا إلى أنَّ دخول شركة تسلا إلى الإمارات تم بدعم من برامج تمويل خضراء بفائدة 1% مقارنة بـ4% في القروض التقليدية، وهو فارق كبير يؤثر في قرارات الشركات العالمية.

وأضاف أنَّ الاستثمارات الكبرى؛ سواء في الهيدروجين الأخضر أو الطاقة الشمسية أو البنية الأساسية لشحن المركبات الكهربائية، تبحث اليوم عن أسواق تقدم حوافز واضحة وتمويلًا ميسّرًا، مُبينًا أن وكالة الطاقة الدولية (IAEA) تُقدِّر حاجة المنطقة بأكثر من تريليون دولار من الاستثمارات الخضراء حتى عام 2050، ويمكن لسلطنة عُمان أن تكون جزءًا من هذه الفرصة.

ولفت البوسعيدي إلى أن مشاريع الهيدروجين الأخضر في ولايات الدقم وصحار وظفار ستكون أكثر جذبًا للشركات العالمية إذا ارتبطت بتسهيلات تمويل خضراء بالشراكة مع بنوك دولية.

وفيما يتعلق بالتحديات، أوضح البوسعيدي أن الهدف الوطني يتمثل في تحقيق الحياد الصفري بحلول عام 2050، مشددًا على أن التنفيذ لا يمكن أن يُؤجَّل إلى السنوات الأخيرة؛ بل يجب أن يبدأ من الآن نظرًا لتعقيد المهمة، وذلك في الوقت الذي تسلك فيه سلطنة عُمان مسلكًا معتدلًا في خفض الانبعاثات، وهو ما يمنحها نوعًا من الأريحية، إلّا أن الوقت يمضي بسرعة ويتطلب تضافر عناصر عدة من بينها التمويل، الخبرات، والتكنولوجيا.

وأشار إلى أن التحديات لا تقتصر على الجوانب المالية فقط، بل تشمل كذلك الجوانب التنظيمية والتشريعية؛ حيث إن هناك حاجة ماسة إلى وضع تصنيف وطني (Green Taxonomy) يُحدِّد بوضوح ما يُعد مشروعًا أخضر وما لا يُعد كذلك، على غرار تجربة الاتحاد الأوروبيـ مبينا أن هذا الإجراء من شأنه حماية السوق من ممارسات "التجميل الأخضر" أو الـGreenwashing، كما أن مركز عُمان للحياد الصفري يعمل حاليًا على وضع إطار تنظيمي واضح، وإطلاق مبادرات تمويلية عملية، وبناء ثقة المستثمرين عبر معايير قياس وتحقق شفافة.

ولفت عبدالله البوسعيدي إلى أن التأثير المتوقع للتمويل الأخضر سيكون كبيرًا ومباشرًا وسريعًا على القطاعات الحيوية في السلطنة، وأن هذا التمويل سيسهم في تسريع تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين التي تحتاج إلى تمويل ميسّر لتجاوز كلفتها الأولية، مُضيفًا أن الحكومة بدأت بتقديم حوافز في قطاع النقل مثل الإعفاء من 5% من الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية. وأكد أن التمويل الأخضر بفوائد منخفضة سيُسرِّع من تبنّي المركبات الكهربائية، خصوصًا مع انخفاض تكاليف تشغيلها مقارنة بالسيارات التقليدية.

وأوضح أن التقديرات تُشير إلى أن قطاع النقل مسؤول عن أكثر من 19% من الانبعاثات في سلطنة عُمان، وأن التمويل الأخضر للبنية الأساسية الكهربائية يُمكن أن يخفض هذه النسبة بشكل ملموس ويساهم في تحقيق مستهدفات الحياد الصفري. ومضى قائلًا: "هناك أدوات ومعايير دولية واضحة لقياس نتائج التمويل الأخضر مثل GHG Protocol وISO 14064، ويمكن حساب الانبعاثات المتجنبة من خلال كمية الكهرباء المتجددة المُنتَجة، والوقود الأحفوري المستبدل عبر المركبات الكهربائية، وخفض استهلاك المباني، واستبدال الديزل بالهيدروجين الأخضر في النقل والصناعة".

وأوضح البوسعيدي أن وجود منظومة شفَّافة للقياس والتحقق تربط بين حجم التمويل المعبأ والانبعاثات المُخفَّضة وعدد الوظائف الخضراء الجديدة سيعزز ثقة المستثمرين، مُستشهدًا بتجربة الاتحاد الأوروبي الذي ينشر تقارير سنوية تربط بين القروض الخضراء والانبعاثات المُتجنَّبة.

وحول الدور المطلوب من الجهات، بيّن البوسعيدي أن للبنك المركزي العُماني دورًا أساسيًا في تيسير اتفاقيات التمويل المشترك بين البنوك المحلية والبنوك أو الصناديق الدولية المتخصصة في التمويل الأخضر، مشيرًا إلى إمكانية إنشاء حزم تمويلية مشتركة موجهة للسوق العُمانية.

وأضاف أنَّ سوق المال يُمكن أن يُشجِّع على إصدار سندات وصكوك خضراء، إلى جانب حزم تأمين للمركبات الصديقة للبيئة؛ بما يُتيح للشركات والحكومة تمويل مشاريعها الخضراء وفق معايير مُعترف بها دوليًا، لافتًا إلى تجربة البنك المركزي المصري الذي ألزم البنوك بتخصيص 25% من محافظها التمويلية للمشروعات المستدامة.

وأكد البوسعيدي أن مستقبل التمويل الأخضر في عُمان "واعد جدًا"، مشيرًا إلى أن وضع إطار واضح ومدعوم من الحكومة، مع تعاون فعّال مع البنوك والمؤسسات الدولية، سيجعل التمويل الأخضر ركيزة أساسية في النظام المالي. وأضاف "أن ذلك سيقود إلى تحول جذري من مبادرات محدودة إلى منظومة مالية متكاملة تدعم الحياد الصفري وتدفع بعجلة إزالة الكربون". وأوضح "أن المنتدى الاقتصادي العالمي يتوقع أن التحول الأخضر في منطقة دول الخليج قد يخلق أكثر من مليون وظيفة خضراء بحلول 2030-2040، مشيرًا إلى أنَّ هذا يفتح فرصًا اقتصادية ضخمة لسلطنة عُمان، إذا واصلت الاستثمار في التمويل الأخضر بخطى مدروسة وواضحة".

 
 
     

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة