اتفاق متأخر بين إسرائيل وحماس.. دماء غزة لا تُنسى!


حسين الراوي

جاء اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس متأخراً جداً، بعد شهور طويلة من القصف والموت والدمار، وبعد أن حُصرت الأرواح في غزة بين الركام والرماد.

كان الثمن فادحاً إلى حدٍ لا يُطاق، إذ تجاوز عدد الضحايا ما يقارب من  الستين ألف نفس بريئة، معظمهم من النساء والأطفال، ممن دفعوا ثمن حربٍ لم يختاروها، وصراعاتٍ لم تكن لهم فيها كلمة ولا قرار.

لقد مارس الاحتلال الإسرائيلي أبشع أنواع العنف ضد المدنيين، غير أن حماس أيضاً تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية عما جرى، فهي التي أشعلت شرارة السابع من أكتوبر، وجرّت على غزة الويلات والمآسي. لم تفكر الحركة بعواقب أفعالها، ولم تضع في حساباتها حجم الدمار الذي سيلحق بأهلها. أما تصريحات بعض قيادييها التي تبرّر سقوط آلاف الضحايا تحت ذريعة “الصمود أمام الاحتلال”، فهي تبريرات تفتقر إلى الإنسانية والعقل، لأن الدم البريء لا يمكن أن يكون ثمناً لأي نصرٍ أو مقاومةٍ حقيقية.

الاتفاق الأخير تضمّن بنوداً أعادت الأمل إلى الغزيين الذين أنهكتهم الحرب. فقد شمل تبادلاً للأسرى بين الجانبين، ووقفاً شاملاً للعمليات العسكرية البرية والجوية، وانسحاباً للقوات الإسرائيلية من المناطق المكتظة بالسكان. كما نصّ على فتح المعابر الإنسانية والسماح بدخول المساعدات العاجلة، إلى جانب وجود رقابة دولية تضمن الالتزام بالاتفاق وتفتح الباب أمام مفاوضات أوسع نحو سلامٍ مستدام. غير أن التجربة تُعلّمنا أن ما يُكتب على الورق ليس دائماً ما يتحقق على الأرض، وأن الهدوء في هذه المنطقة يبقى هشاً ما لم يُدعّم بإرادة صادقة من الطرفين.

ومع ذلك، كانت فرحة أهل غزة عند إعلان وقف النار مؤثرة وعميقة. خرج الناس إلى الشوارع رغم الألم، الأطفال يركضون، والنساء يهللن، والرجال يرفعون أيديهم نحو السماء شاكرين لأن القصف توقف ولو للحظة. كانت تلك المشاهد تختصر معنى الحياة بعد الموت، ومعنى الأمل حين يطل من بين الركام.

‏في نهاية السطور.. ما نرجوه اليوم هو أن يصمد هذا الاتفاق، وأن لا يتحول إلى هدنة مؤقتة تعقبها جولة جديدة من الدم والدمار. لقد آن للعالم أن يفهم أن غزة ليست ساحة حرب دائمة، بل بيتٌ يسكنه بشر لهم حق في الحياة، وأن السلام الحقيقي ليس ما يُفرض بالقوة، بل ما ينبع من ضميرٍ يعترف بالإنسان أولاً، قبل أي حساباتٍ أو رايات. 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة