د. سعيد بن سليمان العيسائي **
حديثنا اليوم أيها القارئ العزيز عن موضوع كان محل اهتمام ومتابعة من قبل شريحة واسعة من المُجتمع في العالم العربي ألا وهو (برامج المسابقات) التي كانت تقدم على شاشات التلفزيون وبعض المحطات الإذاعية. وبرامج (المسابقات) هي نوع من أنواع البرامج التلفزيونية التي يتسابق بها شخصيات عامة أو من المشاهير تنطوي على الإجابة على الأسئلة أو الألغاز.
والمتسابق أو الفريق الذي يحصل على نقاط أكثر يكافأ بجوائز نقدية أو قسيمة شرائية أو سيارة أو رحلات سياحية مقدمة من البرنامج.
وتمويل هذه البرامج إما من الدعاية من قبل الشركات أو الإعلانات أو الاتصالات الهاتفية التي ظهرت مؤخرًا.
وتقدم وصلات غنائية أو مقطوعات غنائية في بعض هذه المسابقات، وتقدم معظم هذه البرامج في شهر رمضان على شاشات بعض التلفزيونات العربية والخليجية.
يقول أحد المشاهدين والمتابعين لهذه البرامج الثقافية إن (كل ما أتذكره هو حجم المعلومات الثقافية التي كان يمتلكها المذيع والمتسابقون على حد سواء، والتي كانت توحي بأنها مسابقة تحمل شعار "الثقافة" وليس شعار "الكل رابح وماحد يمشي من عندنا زعلان").
نشير هنا إلى أنَّ هذه البرامج تطرح أسئلة متنوعة في الأدب والشعر والتاريخ والمعلومات الدينية والفن والرياضة والقضايا العلمية ذات الصلة بالثقافة العامة والمعرفة بشكل عام، كما إن هذه البرامج بحاجة إلى جهد ووقت وإلى مُعد مُتمكن وإلى مذيع أو مقدم متمكن مثقف أيضًا، وإلى متسابقين محبين للثقافة والمعرفة والقراءة والإطلاع.
ويمكن القول إنه ربما كانت البدايات الأولى لهذه المسابقات التلفزيونية هي المسابقات التي تقام بين الفصول المدرسية، وبين المدارس في المنطقة أو المحافظة الواحدة، ثم يبث أفضل هذه المسابقات في الإذاعة أو في التلفزيون. وكان للمسابقات الثقافية التي تقيمها الأندية الرياضية في السلطنة دور طيب في إثراء ثقافة أعضاء النادي وحثهم على القراءة والإطلاع.
ويحدثني الأخ درويش العبيداني أحد أعضاء نادي صحار الرياضي ومن مثقفي الولاية أن النادي حصل على المركز الأول في المسابقة الثقافية على مستوى أندية منطقة شمال الباطنة، وحصل على مركز متقدم على مستوى أندية دول مجلس التعاون الخليجي.
وأذكر أنني دُعيتُ في إحدى المرات للمشاركة مع فريق النادي في مسابقة بين نادي صحار وأحد الأندية في المنطقة. وأتذكرُ أنني كتبت في بعض مقالاتي أنَّ مدرسة أحمد بن سعيد الإعدادية التي درست فيها بصحار كان المعلمون فيها أصحاب مواهب فمنهم الشاعر ومنهم الخطاط ومنهم الرسام ومنهم المقرئ ومنهم الموسيقار. وأذكر أن أحد معلمي اللغة العربية كان يحمل درجة الماجستير.
فكيف لا تخرج مواهب طلابية تشارك في المسابقات الثقافية المختلفة إذا كان الأساتذة على هذا المستوى من المواهب المتعددة؟!
وننتقل الآن إلى أنواع هذه المسابقات ونبدأها بأيقونة هذا النوع من المسابقات التلفزيونية وهو الإعلامي (شريف العلمي).
وسنقدم نبذة مختصرة عن حياته قبل الحديث عن برنامجه الشهير ذائع الصيت (سين جيم). شريف العلمي هو مذيع ومؤلف ومقدم برامج فلسطيني، ولد في مدينة يافا الفلسطينية في 3 يناير 1931. ويحمل الجنسية الأردنية وله أصول مغربية. يعرف بشغفه لمهنة الإعداد، وقد أسهم في تطوير برامج المسابقات التلفزيونية التي تهدف إلى نشر الثقافة بين المشاهدين بطريقة ممتعة.
التحق شريف العلمي بإذاعة الشرق الأدنى للإذاعة العربية ومقرها في ذلك الوقت في مدينة ليماسول القبرصية داخل معسكر للجيش البريطاني كمتدرب أولاً عام 1952 أثناء سنته الدراسية الأخيرة في الجامعة. ونجح هناك في تطبيق فكرة تراوده تعنى بالثقافة في إطار ترفيهي. وفعلاً انطلق ببرنامجه الذي أسماه في ذلك الوقت (فكر وامرح) وتابعه الناس عبر الإذاعة. وعند تخرجه عام 1953 التحق بالإذاعة بوظيفة ثابتة لمترجم ومذيع.
وإثر العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر عام 1956 قدم مع زملائه العرب استقالة جماعية من الإذاعة التي كانت تمولها بريطانيا تضامنًا مع الشعب المصري.
وانضم عام 1960 إلى مجموعة من الإذاعيين القدامى للمساهمة في تطوير إذاعة الكويت. وفيها أعاد تقديم برنامجه الثقافي فكر وامرح وحظي البرنامج بالنجاح نفسه.
وفي نقلة نوعية وإبان تأسيس تلفزيون الكويت، تلقى تدريبًا على الأعمال التلفزيونية بين عامي 1962 و1964 في لندن الأمر الذي مكنه من تولي إدارة البرامج المنوعة في تلفزيون الكويت.
برنامج سين جيم:
طوَّر فكرة برنامج المسابقات لتلائم شاشة التلفزيون وأطلق عليه اسم (سين جيم). بدأ بث البرنامج عام 1962 وسرعان ما لقي نجاحًا كبيرًا، واستمر في تقديمه عبر شاشات التلفزيونات العربية حتى عام 1966.
عُرضت برامجه على شاشات العديد من التلفزيونات العربية مثل الكويت ودبي وأبو ظبي والأردن ولبنان وسلطنة عُمان وقطر والبحرين وأم بي سي والجزائر والسودان وشبكة راديو وتلفزيون العرب.
جمع شريف العلمي مواد برامجه في عشرين جزءًا في كتابه (سين جيم) الذي لاقى رواجًا كبيرًا في العالم، واعتمد عليه الكثير من معدي البرامج التلفزيونية والإذاعية.
وقد سبق برنامج (سين جيم) برنامج (المباراة الثقافية بين المناطق الثلاث) الذي كان يعده ويقدمه المذيع السعودي فهمي يوسف بصراوي منذ الخمسينيات وحتى أواخر الستينيات في القرن الماضي ضمن برنامج محطة تلفزيون أرامكو من الظهران. وبدأ البث في 16 ديسمبر 1957.
ومن أشهر برامج المسابقات برنامج من سيربح المليون؟ وهو النسخة العربية من برنامج المسابقات الشهير من (Who wants to be a millionaire?)؟ يستعرض فيه أسئلة ومعلومات عامة، ويقدم جوائز مالية كبيرة لمن يجيب بشكل صحيح ومتتالٍ على أسئلة البرنامج.
وعُرض في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على قناة (إم بي سي1)، ولاحقًا على قناة (أو إس إن يا هلا).
وقدم المسابقة الإعلامي جورج قرداحي، وانطلقت حلقاته في 27 نوفمبر عام 2000 أولى أيام شهر رمضان واستمر لعدة مواسم. وقبل الدخول في نماذج وتجارب أقل شهرة يجدر بنا الإشارة إلى التجربة العمانية في مجال المسابقات التلفزيونية والإذاعية.
ومن أقدم برامج المسابقات في التلفزيون العماني برنامج (فكر واربح) الذي كان يقدمه الإعلامي والشاعر ذياب بن صخر العامري عام 1980.
ومن برامج المسابقات التلفزيونية العمانية الأخرى برنامج (ستة على ستة) الذي يعد برنامج المسابقات والألعاب. قدمت البرنامج الإعلامية السورية نورمان أسعد في شهر رمضان عام 1995 على شاشة تلفزيون سلطنة عُمان. وكانت جملتها الشهيرة (إن شاء الله بنربح مية فلمية).
وكان هناك برنامج مسابقات ثقافي للأطفال في إذاعة سلطنة عمان يقدم يوم الجمعة.
وأذكر أن المرحوم الأستاذ الأديب مبارك العامري كان يتصل بي للاستفسار عن بعض القضايا اللغوية؛ حيث كانت إحدى بناته تشارك في هذا البرنامج.
وسمعت أن البرنامج أصبح يبث من سنوات يوم السبت ويقدمه المذيع هلال الهلالي.
ومن أشهر برامج المسابقات والمنوعات في مصر برنامج (من غير كلام) الذي كان يقدمه الفنان حسن مصطفى عام 1990، واستمر لعدة سنوات. ويتكون البرنامج من فريقين أحدهما من الفنانين والآخر من الفنانات.
ويذكرنا هذا البرنامج ببرنامجين في التلفزيون المصري من الزمن الجميل أو (ماسبيرو زمان) الأول برنامج (نجوم لها تاريخ) الذي كان يقدمه المؤرخ الفني حسن الإمام، وبرنامج (نجوم على الأرض) الذي كانت تقدمه الإعلامية القديرة ليلى رستم.
ومن برامج المسابقات التلفزيونية كذلك برنامج (نجوم المعرفة) الذي كان يقدمه الإعلامي الفلسطيني شريف العلمي على التلفزيون الأردني في تسعينيات القرن الماضي وبالتحديد في عام 1992.
ومن برامج المسابقات التلفزيونية برنامج (أنت وحظك) وهو برنامج مسابقات ترفيهي تم عرضه في عام 1999 على شاشة التلفزيون الأردني خلال شهر رمضان، وقدمته إيمان ظاظا.
وفي عام 2024 أعادته قناة MTV اللبنانية، وقدمته توني بارود. وفكرته أن المشاهدين يشاركون عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفيه جوائز مالية وهدايا متنوعة. ومن برامج المسابقات التلفزيونية العراقية برنامج (اربح الملايين) في قناة MBC العراق، وكان يقدمه الفنان الإعلامي العراقي جواد الشكرجي.
وقدم الإعلامي السعودي داود الشريان برنامج المسابقات (تحدي العائلات) على شاشته "أم بي سي1" عام 2020 لمدة 3 سنوات.
ومن برنامج المسابقات التلفزيونية الأخرى برنامج (حروف وألوف) الذي عرض على شاشة أم بي سي1 في رمضان من 2005 إلى 2015 وقدمه الإعلامي السعودي محمد الشهري. وقدمه الإعلامي السعودي طارق الحربي في رمضان 2016.
ويمكن أن نلحق بهذه البرامج برنامج (قول على قول) الذي قدمه الإعلامي المعجمي الفلسطيني الراحل حسن الكرمي (1905 – 2007) على مدار أكثر من 30 عامًا في إذاعة راديو (بي. بي. سي) العربي البريطانية في لندن ولم يتوقف هذا البرنامج إلا في عام 1989 وكان يبدأوه بعبارة "وسألني سائل من القائل وما المناسبة".
وقد جمع الكتاب في أكثر من 12 مجلدًا بنفس الاسم. وقد تشرفت باقتناء هذا الكتاب.
ومن الطريف أن الشيخ مصطفى الغساني رئيس مجلس إدارة مكتبة دار الكتاب العامة بصلالة التي جعلها والده المرحوم الشيخ عبر القادر بن سالم الغساني وقفًا للباحثين وطلاب العلم دعاني للمشاركة لتقديم ورقة في اليوم العالمي للغة العربية قبل عدة سنوات وأخبرته أن أحد أعمامه أرسل سؤالاً عبر البريد إلى هذا البرنامج يسأل عن بيت من الشعر فرد عليه الإعلامي الراحل. وقد اطلعت بنفسي على السؤال ورد أستاذنا الراحل عليه.
ووعدني الأستاذ أستاذنا الشيخ مصطفى بأنه سيسعى في الحصول على هذا الكتاب ليكون في المكتبة ليطلع عليه الباحثون وطلاب العِلم. وقد ظهر في شهر رمضان برنامج الفوازير أو فوازير رمضان.
والفزورة: هي اللغز أو الأحجية. وأشهر نوع من أنواع الفوازير هي فوازير رمضان التي قدمتها الفنانة المصرية (شريهان) في التلفزيون المصري لعدة سنوات. تم إنتاج الفوازير في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حيث كانت تتضمن استعراضات موسيقية وألغازًا مستوحاة من التراث العربي مثل "ألف ليلة وليلة".
ويمكن أن نخلص إلى أن برامج المسابقات هي من أصعب البرامج لأنها تحتاج إلى معد ومقدم متمكن وذي ثقافة عامة، إضافة إلى متسابقين يحبون هذا النوع من المسابقات. وأملنا في أن تعود برامج المسابقات كما كانت في السابق تلبي رغبة شريحة مولعة بالثقافة والاطلاع والسعي نحو المعرفة لكل أشكالها وأنواعها.
** كاتب وأكاديمي