محمد بن علي البادي
منذ إنشاء جامعة الدول العربية لم نشهد اتفاقًا واحدًا يُسجَّل للتاريخ على أنه موقف عربي موحّد في قضية من قضايا الأمة. كانت كل قمة تنتهي قبل أن تبدأ، وقراراتها تُصاغ قبل انعقادها، وكأنها مجرد بروتوكولات محفوظة لا تُغيِّر من واقع العرب شيئًا. هذا المشهد الذي اعتدناه كشعوب عربية أصبح قاعدة لا استثناء، حتى غدت القمم مجرد طقوس شكلية أكثر منها محطات قرار.
وحتى في القضية العربية الأولى، القضية الفلسطينية، لم يتفق العرب على نهج واضح أو خط ثابت يسيرون عليه. كل دولة تُغنِّي على ليلاها، وكل نظام يبحث عن مصالحه الخاصة، بينما فلسطين – التي كان يفترض أن تكون بوصلتهم الجامعة – تُركت فريسة للتجزئة والخلافات، وضاعت بين الحسابات الضيقة والمصالح المتشابكة.
وللأسف الشديد، أصبحت الدول العربية اليوم عاجزة عن اتخاذ أي موقف موحّد تجاه أي قضية تخص الوطن العربي. جميع المواقف، إن اتُّخذت، يجب أن تمر بعد مشاورات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا لم توافق عليها، فلن يُمرَّر أي قرار، إلا القرارات التي تصب في مصالح أمريكا أو ضد الدول العربية.
وقد بات واضحًا أن جميع القمم العربية، وخصوصًا تلك التي تناولت القضية الفلسطينية، لم تتخذ أي قرار فعلي ينصف هذه القضية أو يحقق أي مكسب للحقوق العربية. فقد كانت جميع القرارات التي صدرت مجرد حبر على ورق، تُحفَظ في الأدراج ولا يُنفَّذ منها شيء على أرض الواقع، لتبقى فلسطين بلا دعم حقيقي، وأمل الشعوب العربية بلا ترجمة عملية، فيما تظل الخلافات والمصالح الضيقة هي المسيطرة على صنع القرار.
فقد ضجّت هذه الأيام الدنيا، وتسابقت منصات الإعلام بمختلف توجهاتها، في متابعة القمة العربية والإسلامية التي أُقيمت في الدوحة. وكان الأمل أن يخرج من هذه القمة بيان ختامي يشفي – ولو قليلًا – غليل الأمة العربية والإسلامية، ويعكس حجم التحديات التي تمر بها المنطقة. لكن للأسف، جاء البيان الختامي باهتًا لا يرقى إلى مستوى التطلعات، ولا يلامس جراح الأمة ولا آمال شعوبها، وكأنه تكرار لبيانات سابقة تُكتب بحبر دبلوماسي بارد، بعيد كل البعد عن حرارة الدماء التي تسيل في فلسطين وعن أنين الشعوب التي تنتظر موقفًا صادقًا وحاسمًا.
إنها صورة تتكرر؛ بيانات بلا فعل، وقمم بلا نتائج، وخطابات تُلقى أمام الكاميرات أكثر مما تُترجم إلى أفعال على الأرض. وهكذا يظل واقع الأمة عالقًا بين وعود لا تتحقق، وقرارات تولد ميتة، وشعوب لم تعد تنتظر من القمم إلا بيانات تُحفَظ في الأدراج، بينما جراحها على الأرض تنزف بلا ضماد.
ما الفائدة من هذه القمم العربية في زمن أصبح فيه العجز السياسي والخذلان العربي واضحًا للعيان؟ القمم عاجزة عن اتخاذ أي إجراء حقيقي ضد العدوان على الدول العربية الواقعة تحت خط النار الإسرائيلي: فلسطين تُذبح يوميًا، وسوريا تُدمَّر بلا رحمة، ولبنان يغرق في الانهيار السياسي والاقتصادي، واليمن يذوق أبشع صور الحرب والمجاعة، وقطر تُستهدَف بالمخططات والضغوط الإقليمية. ماذا فعلت هذه القمم؟ أي موقف أو إجراء ملموس اتخذته؟ لا شيء. كل ما صدر عنها مجرد كلمات جوفاء، مراسيم شكلية، وبيانات تُحفَظ في الأدراج، بينما الواقع على الأرض يزداد مأساوية يومًا بعد يوم، والشعوب تُركت تواجه مصيرها وحدها.
لقد حان الوقت للشعوب العربية أن تدرك أن الاعتماد على القمم والبيانات لا يجدي نفعًا، وأنها وحدها القادرة على صناعة القرار الفعلي لمصالحها. الأمل ليس في القاعات المهيبة ولا في الكلمات الرسمية، بل في وعي المواطن العربي، في تحرك المجتمعات، وفي القدرة على فرض إرادة حقيقية تُعيد للأمة بعضًا من كرامتها ومكانتها. القمم بلا فعل أصبحت مجرد مرايا، والشعوب هي التي يجب أن تتحرك لتُعيد كتابة تاريخها بنفسها، قبل أن تُكتب عليها صفحة أخرى من الخيبة.
إن استمرار هذه القمم على ما هي عليه يعني استمرار الخذلان، واستمرار موت المبادرات الحقيقية، واستمرار صمت الأمة أمام المآسي التي تتكرر يوميًا. لا وقت بعد اليوم لتزيين الكلمات، ولا مكان للأوهام الدبلوماسية. على الشعوب العربية أن تتحرك، أن تصنع إرادتها بنفسها، وأن تفرض مصالحها قبل أن يُفرَض عليها التاريخ نفسه مصير آخر من الخيبة والخذلان. فلسطين وسوريا ولبنان واليمن وقطر ليسوا مجرد أسماء على خارطة؛ هم دماء وألم وحياة تحتاج إلى فعل حقيقي الآن، لا بيانات تُحفَظ في الأدراج.