حمود بن سيف السلماني
تحدثنا كثيرًا في موضوع البناء في مقالاتنا السابقة والتي وضحنا فيها أهمية البحث عن المقاول المناسب للبناء، إضافة إلى عدم الانجراف إلى بناء منزل كبير وخسارة الأموال بحجة إنه لمرة واحدة، فتلك العبارة وضعت الأغلبية في أزمة الديون وعدم استطاعة إكمال الحياة بيسر وسهولة إلا والديون تتراكم عليهم.
في مقالنا لهذا اليوم سوف نتحدث عن أهمية التأمين على البناء، سواء ذلك من قبل المقاول أو المالك، حيث إنه نادرًا أو قليلا ما يحدث أن يتم البناء بمواصفات ممتازة وعدم ظهور عيوب أو مشكلات في البناء، فذلك يرجع إلى جودة العمل، وإضافة إلى إدارة عملية البناء بشكل يمنع حدوث المشكلات أو ظهور العيوب في العقار، ولا يعني ذلك عدم وجود مقاولين أعمالهم ذات جودة كبيرة وعالية.
وكما أشرنا سابقًا بأنَّ العيوب في البناء تظهر بسبب عدم فحص التربة قبل البناء، - مع إن المشرع قد أجبر المقاول والاستشاري على فحص التربة قبل الشروع في البناء- أو بسبب سوء الجودة في البناء وعدم وضع المواد المناسبة من الأسمنت والحديد والرمل وغيرها من المواد وبكميات مناسبة حتى تتماسك فيما بينها وتزيد من متانة وقوة البناء، بالإضافة إلى عدم وجود الاستشاري المشرف على مراحل البناء بشكل دائم بين كل مرحلة وأخرى؛ حيث إن الملاك يقومون بالتعاقد مع الاستشاري على أساس مرحلتين أو ثلاث فقط وهي القواعد والصبية للطابق الأول والثاني، فكل ذلك لا يعفي الاستشاري من ضمان العيوب التي تظهر في العقار.
وبعد ظهور العيوب والمشكلات في البناء، يقع المالك في مشكلة كبيرة ما بين إصلاح تلك العيوب التي تظهر وبين تعنت بعض المقاولين في إصلاح تلك العيوب والمماطلة في حلها بالشكل الصحيح والسليم والذي يمنع ظهورها مرة أخرى، وقد نلاحظ بعض العيوب يتوجب فيها هدم جزء من البناء وإعادة بنائه مثل السور الخارجي للمنزل، وفي بعض الأحيان وبسبب نزول في التربة يحدث نزول وهبوط في المنزل الأمر الذي يسبب تشققات جسمية وكبيرة في الجدران والبلاط ويصل الأمر إلى هدم المنزل وإعادة بنائه مرة أخرى، بالتالي يدخل المقاول في مشكلة حقيقية وكذلك المالك، حيث يتطلب الأمر وقتًا طويلًا من حيث التقاضي والتنفيذ على المقاول وبعض الأحيان قد يكون المقاول مدينًا لعدة أشخاص فيصبح المالك في أزمة كبيرة حيث إنه خسر أمواله في بناء المنزل، وخسر منزله بمعنى (لا هو بفلوسه ولا هو ببيته)، فهنا يضعه الأمر في مشكلة حقيقية وهي عدم استطاعته شراء أو بناء منزل جديد له ولأسرته، ولا يمكنه العيش والسكن في المنزل الحالي بسبب العيوب التي فيه.
وهنا يجب على المُشرِّع التدخل بشكل سريع في مثل هذه الأمور وذلك لتقليل الخسائر على الطرفين، وفرض ضرورة التأمين على أعمال المقاول لدى شركات التأمين، وذلك من أجل أن يستطيع المالك استرداد أمواله بشكل سريع وبناء منزله من جديد في حالة الهدم، أو إعادة إصلاح العيوب بشكل سريع من أجل العيش والسكن في المنزل بكل اطمئنان وأمان بعيدًا عن الخوف من ظهور العيوب مرة أخرى وعدم التمكن من إصلاحها.
والاقتراح الذي طرحناه هو كحال التأمين على المركبات من حوادث السير والتعويض عن الأضرار التي تحصل جراء الحوادث، ويجب في حالة التشريع أن تكون بصيغة القواعد الآمرة والتي يجب التأمين على الأعمال التي يقوم بها المقاول والتعويض عن العيوب التي تحصل في البناء، بشرط أن يقوم المقاول بالبناء وفق الأصول الفنية لأعمال المقاولة، والمختصون في ذلك كثيرون ويمكن الاستعانة بهم من أجل تقليل الأضرار على الأطراف جميعًا.
ولا ننسى دور الاستشاري المهم في هذه الجزئية حيث إنه يتوجب إدخال أعماله كذلك في التأمين وإن الإشراف على المنزل لا يجب أن يكون على مرحلة القواعد والصبية فقط وإنما يجب أن يكون الإشراف على كافة الاعمال من المرحلة الاولى للحفر ومتابعة أعمال المقاول بشكل كامل ودائم وبكل مرحلة مباشرة وحتى تسليم المفتاح إلى المالك، وذلك حتى يستحق المقاول والمالك التعويض على العيوب الحاصلة في البناء، ويمكن كذلك لشركات التأمين الاستعانة بالمختصين لديهم لمتابعة البناء خطوة بخطوة لتقليل الأخطاء التي قد تحصل.
وفي الختام.. نرجو أن يكون هذا المقترح محل دراسة لدى المعنيين بالدولة، وذلك من أجل الوصول إلى نتيجة تخدم جميع الأطراف في هذا الشأن، نعلم جيدًا أنه سيكون هنالك مبالغ تدفع لشركات التأمين، ولكن في المقابل سيكون هناك ضمان على البناء ولفترة معقولة والتي يكون فيها المالك والمقاول والاستشاري في راحة تامة خلال تلك الفترة المتفق عليها فيما بين الأطراف، أي بمعنى أن الجميع مستفيد من التأمين على العقار أثناء مرحلة البناء.
** محامٍ ومستشار قانوني