النزاهة الأكاديمية

 

 

 

د. علي بن حمدان البلوشي **

 

تُعد النزاهةُ الأكاديميةُ ركيزةً أساسيةً في بناء بيئة تعليمية وبحثية سليمة؛ إذ تُعرَّف بأنها الالتزام بالأمانة والصدق والعدل في جميع ممارسات التعليم والبحث؛ بما يشمل أداء الطلبة في دراستهم، وجهود الأساتذة في تدريسهم وأبحاثهم، وإدارة المؤسسات التعليمية في سياساتها وأنظمتها. وهي تعني باختصار أن تكون المعرفة المنتَجة أو المقدَّمة نزيهة، بعيدةً عن الغش أو السرقة الفكرية أو التلاعب بالبيانات، بما يعزز الثقة في جودة التعليم ومخرجاته.

ودور مؤسسات التعليم العالي في تأمين النزاهة الأكاديمية يتمثلُ في وضع سياسات واضحة، وأنظمة شاملة تضمن الالتزام بقواعد السلوك الأكاديمي؛ فالمؤسسات الناجحة هي التي تعتمد لوائح تنظم عمل الطلبة والأساتذة والباحثين، وتوفّر آليات للمتابعة والمساءلة، إلى جانب تبني منهج مستمر لتجويد البرامج الأكاديمية المطروحة. هذا التجويد لا يُعد إجراءً وقتياً، بل عملية دائمة تعزز سمعة المؤسسة وتضمن توافق برامجها مع المعايير العالمية، وبالتالي إرساء ثقة المجتمع بمخرجاتها.

أما المحاضرون، فيقع على عاتقهم دور محوري في تكريس النزاهة الأكاديمية؛ إذ إنهم ليسوا ناقلي معرفة فحسب؛ بل قدوة لطلبتهم في الالتزام بالقيم والأخلاق المهنية. ويمكن للمحاضِر أن يعزز النزاهة من خلال تنويع أدوات التقييم، وتصميم أسئلة تقيس الفهم والتحليل لا الحفظ فقط، وتوظيف برامج كشف التشابه لضمان أصالة الأعمال البحثية. كما إن التزام المحاضر بالتوثيق السليم في أبحاثه، وإسناد الأفكار لأصحابها، يعد نموذجاً عملياً يحفّز الطالب على اتباع السلوك ذاته.

أما الطالب، فهو المحور الرئيس في منظومة النزاهة الأكاديمية، والتزامه بها يعكس وعيه بالمسؤولية تجاه نفسه ومجتمعه. يمكن ضمان التزام الطلبة بالنزاهة عبر نشر الوعي بقواعد السلوك الأكاديمي، وإدماج موضوعات تتعلق بالأمانة العلمية ضمن المقررات، إلى جانب تقديم الدعم الأكاديمي للطلبة لتفادي لجوئهم إلى الغش أو النسخ. والالتزام بالنزاهة يمنح الطالب عدداً من الإيجابيات؛ فهو يطور شخصيته، ويكسبه الثقة بقدراته، ويؤهله ليكون خريجاً متمكناً قادرًا على المنافسة في سوق العمل.

ختامًا.. إنَّ النزاهة الأكاديمية ليست مجرد قواعد أو إجراءات؛ بل هي ثقافة مؤسسية شاملة. وقد تَبيَّن من خلال ما سبق أن دور الإدارة، والمحاضرين، والطلبة، يتكامل في إطار واحد لضمان مصداقية العملية التعليمية. ولا شك أن ترسيخ النزاهة الأكاديمية يُسهم مباشرةً في تجويد البرامج التعليمية، ويرتبط بجودة الخريجين في مختلف التخصصات؛ بما يضمن استمرار التعليم العالي في أداء رسالته السامية في خدمة المجتمع وتنميته.

** أستاذ مساعد بالكلية الحديثة للتجارة والعلوم

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة