الفريق الحكومي الواحد.. عمل متكامل ذو قيمة

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

بارك مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير برئاسة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- إطلاق "المبادرة الوطنية للفريق الحكومي الواحد"، وأوكل أمر تنفيذها إلى الأكاديمية السلطانية للإدارة، وسوف تستهدف المبادرة كافة منتسبي وحدات الجهاز الإداري للدولة المدنية، كما جاء في بيان مجلس الوزراء المُوقر.

ترتكز هذه المبادرة على ترسيخ ذهنية تتجاوز حدود التفكير الوظيفي نحو الغاية الأسمى المتمثلة في الانضمام إلى الفريق الحكومي للإسهام في بناء مستقبل عُمان كما ورد في بيان مجلس الوزراء، وجاء في البيان تشديد جلالة السلطان- أبقاه الله- على أهمية العمل بروح الفريق الواحد للبلوغ بالبلاد إلى المكانة التي تليق بها، وشدَّد على أن ذلك لن يتحقق إلا بإيمان كل فرد بأثر عمله اليومي على مجتمعه ووطنه.

ما هذه المبادرة؟ وماذا تعني؟ وكيف يمكن لها أن تُسهم في تحقيق مستهدفات رؤية "عُمان 2040"؟

كل هذه الأسئلة تبادرت للأذهان منذ لحظة الإعلان عن المبادرة، وهنا سوف نضع بعض الإضاءات على ما ورد في نص البيان، وبكل تأكيد فإنَّ ما يخص المبادرة سوف يخرج من المؤسسة المعنية التي تملك بكل تأكيد الرؤية الشاملة والكاملة حولها، ولديها خطة عمل محددة لوضع هذا الأمر السامي موضع التنفيذ، وبكل تأكيد فإن الأكاديمية السلطانية ومنذ إنشائها تعمل على مسارات متعددة وتقود تحولًا ملحوظًا في مجال الإدارة الحديثة وإعداد القيادات بمختلف مستوياتها تحقيقًا لرؤية سلطنة عُمان المستقبلية.

مبادرة الفريق الحكومي الواحد هي مبادرة وطنية تهدف بشكل رئيسي تعزيز روح العمل الجماعي والتنسيق المشترك بين وحدات الجهاز الإداري للدولة، وترسيخ عقلية وظيفية تتجاوز مجرد أداء المهام الوظيفية المعتادة لتصل إلى مرحلة الشعور بأنَّ كل موظف هو جزء من فريق واحد يبذل جهده لبناء مستقبل سلطنة عُمان، ولهذا فإنَّ للمبادرة جانبين متكاملين مُهمين هما:

أولًا: الجانب المهاري المتمثل في تطوير قدرات الكوادر البشرية للعمل ضمن فريق واحد وما يعرف بمهارات العمل التعاوني والتواصل الفعال والمبادرة والابتكار، وهذه المهارات تقع ضمن حزمة مهارات التفكير الإبداعي للقرن الحادي والعشرين التي يجب أن يمتلكها الفرد حتى يتمكن من التفاعل بشكل إيجابي وأن يجد طريقه في بيئة الأعمال في وظائف المستقبل، وهذه المهارات أصبحت الأساس في توظيف الكوادر البشرية في الدول المتقدمة والتي تنظر للموظف من خلال القيمة المضافة التي يخلقها في وظيفته والتي تساهم في زيادة الإنتاجية وتخطي ثقافة العمل الروتيني الذي يمكن لأي فرد القيام به.

ثانيًا: البُعد القِيَمي للوظيفة؛ حيث تركز المبادرة على أمر مُهم جدًا وهو تقدير الفرد لما يقوم به من عمل يُسهم من خلاله في بناء الوطن، وبالتالي هو لا يستهين بدوره مهما كان محدودًا أو صغيرًا من وجهة نظره أو نظر الآخرين من حوله، فكُل عمل في المجتمع هو لبنة في هذا البناء العظيم الذي هو الوطن، ولا توجد وظيفة صغيرة أو كبيرة في هذا المفهوم، وهذا السمو القيمي بالوظيفة أساسي في تقديم خدمة ذات جودة، وتنفيذ العمل على أكمل وجه، وفي هذا الجانب تدخل العديد من قيم العمل التي يجب تعزيرها لدى الأفراد مثل الإخلاص والأمانة والالتزام والاحترام والتقدير والنظام والمثابرة والمنافسة الشريفة والصدق وغيرها من قيم العمل التي تذهب بالفرد إلى مراحل متقدمة من العطاء.

وهناك آلاف القصص التي ينظر من خلالها الناس بتقدير إلى وظائفهم، ويعطونها قيمة معنوية عالية تستحقها مهما صغرت هذه الوظيفة في نظر الآخرين، ولكنها في نظرهم كانت هامة حتى يتقدم المجتمع وينمو، وليس هناك أسوأ من موظف يزدري وظيفته ولا يُقدِّر ما يقوم به من دور؛ فالمُعلِّم الذي يستهين بهذه المهنة لن يُخرِّج جيلًا متعلمًا، والطبيب الذي يتذمر من وظيفته وأعبائها لن يُعالِج مريضًا، وعامل النظافة الذي يخجل من وظيفته لن يُظهِر لنا بلدًا نظيفًا، وقِسْ عليها جميع المهن الأخرى.

إنَّ الحاجة إلى أن تعمل مؤسسات الدولة كمنظومة واحدة وبتآزرٍ، تمثل ضرورة مُلحَّة لتحقيق مستهدفات رؤية "عُمان 2040"؛ فالجهود المبعثرة غير المتكاملة والعمل في جُزُر مُتفرِّقة يُضيع الجهد ولا يظهره مهما كان حجمه ونجاحه، وعجلة التنمية يجب أن تُدفع باتجاه واحد حتى تسير بشكل صحيح، ولذلك لا بُد من إيجاد آلية لتوحيد الجهود وضمان التنسيق بين مؤسسات الدولة، وتحمل هذه المبادرة مسؤولية تفعيل هذا التوجه، وضمان تحقيقه وفق آليات سيتم تنفيذها خلال المرحلة القادمة.

وهناك العديد من النماذج الدولية التي قامت على نفس هذه الفكرة وساهمت في تحقيق اهداف التنمية في تلك الدول مثل النموذج السنغافوري مبادرة Whole-of-Government (WOG) الذي يقوم على توحيد مؤسسات الدولة للعمل كمنظومة واحدة، والنموذج البريطاني، Civil Service Reform Plan الذي يركز على تحسين التعاون بين الوزارات والهيئات الحكومية، عبر مفهوم One Civil Service (خدمة مدنية واحدة)، والنموذج النيوزلندي، Public Service Act 2020، هذا النموذج الذي يلزم الهيئات الحكومية بالعمل كنظام واحد ويقدم خدمات متكاملة للمواطنين (One Public Service).

هذا التوجه يمثل ضرورة كما ذكرنا لتحقيق مستهدفات رؤية "عُمان 2040"، كما أنه يغطي جانبًا مهما كثر الحديث عنه خلال الفترة الماضية حول توحيد الجهود ومصادر المعلومات والمبادرات الحكومية المشتتة، والحاجة إلى نموذج يُعيد تشكيل الدور الوظيفي للموظف ليتعدى فكرة العمل من اجل الوحدة الحكومية التي يمثلها ليكون عمله حلقة في سلسلة متكاملة من الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطن.

وفي الختام، ما هذا المقال إلّا محاولة لفهم المبادرة وفي انتظار ما تعلن عنه الاكاديمية السلطانية للإدارة بشكل متكامل حول المبادرة ومحاورها ومستهدفاتها، والله الموفق.

الأكثر قراءة