صلالة- العُمانية
أكد المُهندس عبد الله بن علي البوسعيدي مدير عام مركز عُمان للوجستيات وخبير فريق الحياد الصفري في وزارة النقل والاتصالات وتقنيّة المعلومات أن سلطنة عُمان حققت خطوات ملموسة في مسار التحوّل نحو التنقل الأخضر المستدام، وذلك انطلاقًا من التزامها بأهداف رؤية "عُمان 2040" وبلوغ الحياد الصفري بحلول عام 2050؛ حيث عكفت الوزارة وشركاؤها على تطوير منظومة شاملة للبنية الأساسية لمحطات الشحن الكهربائي، والتشريعات المنظمة لاستخدام المركبات الصديقة للبيئة، وتشجيع حلول الهيدروجين الأخضر، إلى جانب برامج التوعية المجتمعية والشبابية".
ويهدف نظام التنقّل الأخضر المُستدام على المستوى الدوليّ اليوم إلى تقليل الأثر البيئّي والاعتماد على الطّاقة النظيفة، مع تعزيز كفاءة استخدام الموارد وتحقيق رفاهيّة المُجتمع، ولهذا سعت دول مجلس التّعاون إلى تحقيق رؤيّة خليجيّة مُشتركة وتطلّعات مُستقبلية، وكان ذلك بتوقيع عددٍ من المُبادرات المُشتركة ضمن المُلتقى الخليجي للتنقّل الأخضر، كالاتفاق على التحالف لتوحيد منصّات الشّحن، وتوفير قطع غيار موحدة، وإنشاء منصّة بيانات للنّقل الأخضر، وتشكيل لجنة تعاون خليجيّة للنقل المُستدام.
وأضاف البوسعيدي- في هذا السياق- أن تنظيم الملتقى الخليجي للتنقّل الأخضر، والإعلان عن المبادرات الفائزة في مسابقة الابتكار، يؤكدان أن الاستثمار في طاقات الشباب وأفكارهم هو ركيزة أساسية لتسريع هذا التحول. وأوضح أن الملتقى شهد توقيع اتفاقيات تجاوزت قيمتها 700 مليون دولار أمريكي، وهو ما يعكس بوضوح أن الاستثمار في مجال التنقّل الأخضر لا يقتصر على دعم الاستدامة البيئية فحسب، بل يفتح أيضًا آفاقًا واسعة لإيجاد فرص استثمارية جديدة، وتوفير وظائف نوعيّة للشباب العُماني، وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني". وأكد البوسعيدي أن سلطنة عُمان ماضية في دعم هذه المبادرات وتحويلها إلى مشروعات واقعية على أرض الميدان، بما يرسخ مكانتها كمنصة رائدة للتجارب والحلول المبتكرة في قطاع النقل المستدام على مستوى المنطقة.
ويعد المُلتقى الخليجي للتنقّل الأخضر منصّة استراتيجيّة جمعت نُخبة من المُبتكرين وصُنّاع القرار والقطاع الخاص لمناقشة مُستقبل النقل المُستدام، ويمثّل الإعلان عن هذه المُبادرات الفائزة خطوة عمليّة لترجمة الأفكار إلى حلول ملموسة تعزّز التحوّل نحو النقل منخفض الكربون في المنطقة. ولأن العمل الخليجي تكامليّ وتشاركيّ أقيم بصلالة بمحافظة ظفار، المُلتقى الخليجيّ للتنقّل الأخضر، وتمخّضت عنه مُسابقة للابتكار، وهي نتاج حلقة عمليّة بعنوان (الشّباب يقودون المُستقبل) بمُشاركة فرق شبابيّة خليجيّة استهدفت تقديم حلول عمليّة لمُستقبل النّقل المُستدام في دول الخليج، وبحضور نُخبة من المسؤولين والخُبراء من دول مجلس التّعاون.
وقد شاركت عدد من المُبادرات من سلطنة عُمان في هذا الملتقى وحققت مراكز متقدمة، من بينها مبادرة (القيادة بلا توقف) الفائزة بالمركز الأول، حيثُ تضمّنت فكرة مركبة شحن متنقّلة للسيّارات الكهربائية تعمل كبنية أساسيّة مرنة لتوفير الشّحن السّريع في أي مكان، وتُسهم في مُعالجة تحدّي نقص محطات الشّحن. فعلى سبيل المثال، عندما تنفد بطاريّة سيّارة كهربائية في موقع بعيد أو على الطريق، يواجه السّائق صُعوبة كبيرة في نقل سيّارته أو إيجاد شاحن قريب، بينما يمكن لهذه المركبة الوصول إليه مُباشرة وتزويده بالطّاقة اللّازمة لمواصلة رحلته.
يقول صاحب الفكرة ورئيس فريق المُبادرة سعيد بن مسلم بيت سعيد إنّ الهدف من هذه المُبادرة هو تشجيع انتشار السيّارات الكهربائية في سلطنة عُمان وذلك من خلال تسهيل عملية الشحن وزيادة ثقة المُستخدمين، ما يسرّع من تبنّي المركبات الصديقة للبيئة ودعم الاستدامة البيئيّة والمُساهمة في تقليل الانبعاثات الكربونية عبر تعزيز التحوّل من الوقود التقليديّ إلى النقل الأخضر.
ويُؤكد على ذلك بإيجاد الحلول المُناسبة للمُشكلات الشائعة التي تواجه استخدام السيّارات الكهربائية فيقول: "يُساعد المشروع على توفير حلول شحن مرنة ومتنقّلة لتمكين أصحاب السيّارات الكهربائية من الحُصول على خدمة الشّحن في أي وقت وأي مكان دون الاعتماد فقط على المحطات الثّابتة، كما أنّه يُساعد على حلّ واحد من أكبر التحديّات التي يواجهها مستخدمو السيّارات الكهربائية وهو الخوف من التوقّف المُفاجئ بسبب نفاد البطاريّة بعيدًا عن محطات الشحن".
ويشير إلى أن المشروع يشكل نموذجًا ابتكاريًّا قابلًا للتوسّع خليجيًّا من خلال تقديم خدمة حديثة يمكن تكرارها وتطويرها في دول مجلس التّعاون كجزء من منظومة النقل المُستدام، تستهدف مستخدمي السيّارات الكهربائية في المناطق ذات البنية الأساسية المحدودة ما يسهم في رفع ثقة المُستهلكين باستخدام المركبات الكهربائيّة محليًّا، إلى جانب دعم جاهزية الأسواق الخليجية لتبنّي حلول النقل المُستدام.
ومن بين المبادرات المشاركة المنصّة الإلكترونية "أي خدمة" المبتكرة التي حصلت على المركز الثاني، وتستهدف مستخدمي السيارات الكهربائية وتعمل على ربطهم بمزودي الخدمة لتوفير خدمات التزويد والشحن عند الطلب، ومعرفة أقرب محطة شحن، بالإضافة إلى توفير قطع الغيار الأصلية للسيارات الكهربائية، وخدمات الصيانة المتخصصة.
وقالت رغد ناجي أحد أعضاء فريق "أي خدمة" إن المشروع يهدف إلى تعزيز الاعتماد على المركبات الكهربائيّة، وإيجاد تجربة قيادة آمنة وسهلة دون القلق من نفاد الشحن أو حدوث عطل فني، ودعم أهداف الاستدامة البيئية وخفض الانبعاثات الكربونيّة بما يساعد على تعزيز التنقّل الأخضر عبر استحداث منصات رقميّة حديثة وسريعة.
أما عن مبادرة "قيادة نحو مُستقبل أخضر" الفائزة بالمركز الثالث، فهي تساعد على نشر مفاهيم الطاقة المُستدامة والسيارات الكهربائية، حيث تقوم الفكرة على الدمج بين التوعية النظرية والتجربة العملية، والعمل على تطبيقها في المدارس والجامعات واستهداف الطلبة وأولياء أمورهم. ويُسهم المشروع في بناء جيل واعٍ بمستقبل الاستدامة، وفتح مجال التعاون في القطاع التعليمي والمجتمعي، وتعزيز الثقافة البيئية المشتركة.
ويشير أنس بن مالك اليافعي أحد أعضاء الفريق إلى أن المشروع يهدف إلى رفع الوعي حول مزايا السيارات الكهربائية وتصحيح المفاهيم الخاطئة عنها لدى طلبة المدارس والجامعات والأسر والعاملين في القطاع الخاص عبر أنشطة موحدة ترسخ ثقافة النقل الأخضر، وتشجيع الأُسر على التوجه لشراء السيارات الكهربائية.
كما تم تقييم المبادرات ضمن فئتين رئيستين وهي المبادرات التوعوية والمبادرات الابتكاريّة التقنيّة، حيثُ اعتمدت لجنة التحكيم على مجموعة من المعايير الدقيقة بنسب محددة، واستندت فئة المُبادرات التوعويّة على وضوح الفكرة، والإبداع في توصيل الفكرة للمجتمع، وأثر التوعيّة المُتوقع، والارتباط بالتنقّل الأخضر، ومشاركة الشّباب، وطريقة العرض والإقناع. أمّا فئة المُبادرات الابتكاريّة التقنيّة فارتكزت على وضوح الفكرة، ومدى الابتكار، وقابلية التنفيذ والتوسّع، والارتباط بالتنقّل الأخضر، والبُعد البيئي، وطريقة العرض والإقناع.
يُشار إلى أن مبيعات المركبات الكهربائيّة حول العالم بلغت 14 مليون سيارة في 2023؛ أيّ 15 بالمائة من السُوق العالمي، إلّا أن النسبة مُرشّحة للارتفاع إلى 40 بالمائة بحلُول عام 2029، ويظلّ التنقّل الأخضر ركيزة أساسيّة للحد من الانبعاثات؛ إذ ينتُج قطاع النّقل عالميًّا 8 جيجاطن من ثاني أُكسيد الكربون سنويًّا، وعلى الجانب الصحّي تُشير مُنظّمة الصّحة العالميّة إلى أنّ تلوّث الهواء يتسبّب في 4.2 مليون وفاة مُبكرة سنويًّا، هذه المُؤشرات العالميّة تُعزّز ما يسعى إليّه المُلتقى الخليجيّ للتنقّل الأخضر من بناء مُدن أنظف وأكثر استدامة.