حيدر بن عبدالرضا اللواتي
يتميَّز الاقتصاد العالمي بوجود العديد من الاتفاقيات الاقتصادية، لأهميتها في دعم التواصل التجاري والصناعي والمصرفي والمالي وفي مختلف القطاعات الأخرى. إلا أنَّ اتفاقيات التجارة التفضيلية بين أية دولتين لها العديد من المزايا من أجل تعزيز العلاقات التجارية، وتتجلى أهميتها في تسهيل وتعزيز التبادل التجاري وتقليل الحواجز الجُمركية وغيرها من المزايا الأخرى.
وأهمية أية اتفاقية تجارة تفضيلية تكمن في أنها تعمل وتساعد الدول على زيادة حجم الصادرات والواردات فيما بينها، والعمل على خفض الرسوم الجمركية أو الإعفاء منها، مما يجعل الدول الموقعة عليها أكثر تنافسية في الأسواق العالمية. كما تفتح مثل هذه الاتفاقيات بابًا كبيرًا للتعاون الاقتصادي والصناعي وتعزيز مجالات الاستثمار وتيسير أنواع التجارة.
ومؤخرًا تمَّ التصديق على اتفاقية التجارة التفضيلية بين سلطنة عُمان والجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال صدور المرسوم السلطاني السامي رقم 71/ 2025؛ حيث تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التبادل التجاري بين البلدين من خلال منح تسهيلات جمركية مُتبادلة تشمل خفض أو إلغاء الرسوم الجمركية على مجموعة من السلع، وتبسيط الإجراءات المرتبطة بينهما. ومن أهداف هذه الاتفاقية أيضًا زيادة حجم التبادل التجاري، وفتح أسواق جديدة للمنتجات العُمانية في الأسواق الإيرانية وما وراءها في وسط دول آسيا، إضافة إلى تيسير دخول المنتجات الإيرانية إلى السوق العُمانية مثل المنتجات الصناعية، والزراعية، والسلع الاستهلاكية، والعمل على استقطاب الاستثمارات المشتركة في القطاعات الصناعية والخدمية، وتعزيز التعاون الجمركي والإداري لتسهيل حركة البضائع.
ولا شك أنَّ مثل هذه الاتفاقية سوف تدعم رؤى "عُمان 2040" التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني وزيادة مُساهمة القطاعات غير النفطية التي تتمتع بها السلطنة، إضافة إلى توفير وفورات مالية على المستوردين والمصدرين. وستعمل هذه الاتفاقية خلال الفترة المقبلة إلى تحفيز الصناعات المحلية وتعزيز النمو الاقتصادي وفتح أسواق جديدة، وزيادة التنويع الاقتصادي، وتحسين مستوى الدخل، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات السياسية والثقافية بين البلدين.
وأرقام التجارة الخارجية بين البلدين توحي بأنها مستمرة في النمو السنوي؛ حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين السلطنة وإيران 335 مليون ريال عُماني (871 مليون دولار أمريكي) في عام 2023 وارتفع إلى نحو 419 مليون ريال (1.9 مليار دولار) حتى أكتوبر من العام 2024.
وفيما يتعلق بالصادرات الإيرانية إلى سلطنة عُمان فقد بلغت خلال الفترة من مارس 2024 إلى مارس 2025 بنحو 1.548 مليار دولار بينما بلغت الواردات الإيرانية من السلطنة خلال نفس الفترة 785 مليون دولار. وكما هو معروف فإنَّ السوق الإيرانية تمثل سوقًا كبيرة نظرًا لوجود أكثر من 85 مليون نسمة في إيران وحاجاتهم إلى مختلف السلع والمنتجات الأجنبية، الأمر الذي يوفر فرصًا تسويقية للمنتجات العُمانية في تلك الأسواق والأسواق القريبة من الحدود الإيرانية. وهذه العلاقات كما نعرف عنها مرجعها العلاقات التاريخية والجغرافية التي تربط بين البلدين، والتي تطورت خلال الحقب القديمة خاصة وأنهما مرتبطان بواحد من أهم المضائق في العالم ألا وهو مضيق هرمز الذي يمر من خلاله 40% من النفط العالمي. كما أنَّ هذه الاتفاقية تُعزز مكانة السلطنة كمركز إقليمي للتجارة وإعادة التصدير، وتوسيع قاعدة التعاون بين القطاع الخاص العُماني والإيراني.
إنَّ اتفاقية التجارة التفضيلية بين البلدين هي عبارة عن ثمرة مفاوضات طويلة عبر اللجنة الاقتصادية المشتركة بين عُمان وإيران، واللجان التابعة لغرفة التجارة والصناعة؛ حيث يجري العمل على وضع خطط تنفيذية ولجان فنية مشتركة لمتابعة التطبيق العملي للاتفاقية، خاصة بعد صدور المرسوم السلطاني بهذا الشأن، الأمر الذي سوف يُسهم في تحفيز الاستثمارات المشتركة، ودعم التجارة الخارجية بين البلدين، وخفض التكاليف التجارية للمنتوجات الإيرانية لتصبح أكثر تنافسية في السوق العُمانية، ودخول المزيد من المستثمرين من كلا البلدين، بالإضافة إلى تحفيز القطاعات الصناعية.
وفي هذا الإطار من المهم جدًا أن تصل المنتجات الإيرانية إلى عُمان وعليها البيانات باللغة العربية والإنكليزية ليتمكن المستهلك من معرفتها وتاريخ إنتاجها وانتهائها، فيما على الرجل الصناعي بعُمان أن يوضح البيانات على المنتجات العُمانية باللغة الفارسية لنفس الغرض.
إنَّ اتفاقيات الأفضلية التجارية تعني مزيداً من التميز أو التفوق في تقديم منتجات الدول الموقعة في التجارة العالمية، وتمكينها وقدرتها على الوصول بجودة أعلى أو بأسعار أقل مقارنة بمنافسين آخرين، مما يمنح الدولة أو الشركة ميزة تنافسية في السوق الدولية. وهذا نظام بدأ به منذ عصر النهضة والإصلاحات التجارية في أوروبا، وارتفعت أهمية هذا المفهوم مع تطور النظام التجاري الدولي وتأسيس مُنظمات مثل منظمة التجارة العالمية في النصف الثاني من القرن العشرين.