د. طارق عشيري
في عالم السياسة كثيرًا ما يختلط الوجه الحقيقي بالوجه المصطنع، حيث يرتدي الفاعلون السياسيون أقنعة متعددة تخفي نواياهم الحقيقية وتزيّن خطابهم بما يتناسب مع الجمهور أو المرحلة. هذه الأقنعة السياسية ليست مجرد مجاز لغوي، بل هي أدوات تستخدم في إدارة الصراع، كسب التأييد، أو التغطية على التناقضات الداخلية والخارجية.
المواطن العربي البسيط قد يرى في السياسي وجهًا يحمل وعودًا براقة، بينما خلف الكواليس تُدار حسابات معقدة ترتبط بالمصالح الشخصية أو الإقليمية أو الدولية. إن فهم هذه الأقنعة وكشفها يتطلب قراءة واعية للخطاب السياسي وسلوكيات الفاعلين، بعيدًا عن الانبهار بالشعارات أو الخضوع لعمليات التلميع الإعلامي. ومن هنا يصبح التحليل السياسي وسيلة لكشف حقيقة ما وراء القناع، وإدراك الفجوة بين ما يُقال وما يُمارس فعليًا على أرض الواقع.
في زمن تتشابك فيه المصالح وتتعقد فيه العلاقات الدولية، أصبحت السياسة مسرحًا كبيرًا يرتدي فيه الفاعلون أقنعة متعددة لإخفاء نواياهم الحقيقية. لم يعد الخطاب السياسي مرآة صافية تعكس حقيقة المواقف، بل غدا مزيجًا من الشعارات البراقة والتكتيكات المموهة التي تخدم أهدافًا خفية.
كثير من الساسة يرفعون (راية الوطنية) في خطاباتهم، لكنهم في الواقع يضعون مصالحهم الشخصية أو الفئوية فوق مصلحة الوطن. هذا القناع يمنحهم الشرعية الشعبية، بينما يفتح لهم الباب لعقد صفقات لا يعرف الشعب عنها شيئًا.
"الديمقراطية" باتت من أكثر الأقنعة رواجًا، حيث يتحدث الساسة عن الحرية والعدالة، لكن ممارساتهم اليومية قد تفضح نزعة استبدادية أو ميلًا لإقصاء الخصوم. إنها ديمقراطية شكلية تخاطب الخارج أكثر مما تخدم الداخل.
تحت "شعار الإنسانية والتضامن"، تتدخل بعض القوى الكبرى في شؤون دول أخرى، مدعية حماية الشعوب، بينما الهدف الحقيقي هو السيطرة على الثروات أو المواقع الاستراتيجية. الإنسانية هنا تتحول إلى أداة للشرعنة السياسية.
يُرفع شعار السلام في المؤتمرات والحوارات، لكن صفقات السلاح لا تتوقف، والحروب تُدار بالوكالة. السلام هنا مجرد واجهة، أما الواقع فهو استمرار الصراع لتأمين نفوذ ومصالح.
مشاريع التنمية كثيرًا ما تُستخدم كغطاء للهيمنة الاقتصادية. في ظاهرها تحسين حياة الشعوب، وفي باطنها ربط الدول بديون مرهقة أو اتفاقيات غير متكافئة تُكرّس التبعية.
إن عالم اليوم محكوم بلعبة الأقنعة السياسية التي تحاول تزيين الواقع القاسي وإخفاء المصالح الحقيقية. لذلك، فإن وعي الشعوب وقدرتها على قراءة ما وراء الشعارات يمثلان السلاح الأقوى لكشف الزيف والتمييز بين ما يُقال وما يُمارس فعليًا. فالأمة الواعية لا تنخدع بالأقنعة، بل تبحث دومًا عن الحقيقة خلفها.