العدوان الصهيوني على الأمة من الخفاء إلى العلن

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

يبدو أنَّ العدوان الصهيوني على العاصمة القطرية الدوحة مُؤخرًا، أيقظ لدى النظام الرسمي العربي خطورة الكيان الصهيوني على الأمة، كما يبدو أن هذا العدوان ولَّد لدى الطيف الواسع من النظام الرسمي اليوم قناعة مفادها أن ما تسمى بـ"إسرائيل" عدو للأمة وخطر عليها، وكما يُقال، "أن يأتي الخير متأخرًا، خير من أن لا يأتي أبدًا"، ومن هنا نستهل مضمون هذا المقال.

أُنشئ الكيان الصهيوني- وكما هو معروف- رسميًا عام 1948م، على جغرافية فلسطين، وتحولت فلسطين العربية تاريخيًا إلى ما تُسمى بـ"إسرائيل" اليوم، بتوافق دولي واضح وكبير حينها؛ حيث توافقت رغبتان حينها، وهما: تعطيل الأمة العربية من النهوض؛ كونها تشكل خطرًا حضاريًا على الشرق والغرب بحكم المؤثرات التاريخية والحضارية القوية للأمة، من عِرق ودين ولغة، ورغبة غربية أوروبية على وجه الخصوص في الخلاص من اليهود وترحيلهم إلى فلسطين. وكان يُفترض بنا أن نعي حينها وفيما بعد كذلك بأنَّ الكيان الصهيوني مشروعًا غربيًا وشرقيًا معًا، لتعطيل الأمة العربية من النهوض الكلي المُتمثل في الوحدة- وكما كانت الحالة تاريخيًا – ولا النهوض الجزئي المُتمثل بالتضامن أو التكامل، أو حتى بالتكتلات الجغرافية الإقليمية العربية المتمثلة في مجلس التعاون الخليجي أو الاتحاد المغاربي كمثال.

غرس هذا الكيان وترسيخه في قلب الأمة لتمرير المخطط أولًا، ثم مده بأسباب القوة والتفوق ليتسيَّد المنطقة ثانيًا، تطلب حلقات في استراتيجية عميقة، بدأتها أم الكبائر انجلترا بوعد بلفور المشؤوم عام 1917، بحكم وقوع فلسطين تحت انتدابها، ثم تلتها باتفاقية "سايكس بيكو" مع المستعمر الفرنسي لتقاسم النفوذ في جغرافية الوطن العربي، بتحويله إلى أقطار مجزأة هشة تقوم بدور وظيفي لحماية الكيان اللقيط بعد انشائه مستقبلًا بوعي وبلا وعي.

كان الاتحاد السوفييتي أول المعترفين بالكيان اللقيط في الأمم المتحدة، ثم لحق به العديد من الدول والتي نعتبر بعضها- في تلك الحقبة- شقيق أو صديق للعرب مثل: الصين والهند وتركيا.

ووجود ما يسمى بـ"إسرائيل" خدم البعض، عبر ابتزازه للعرب بتحرير فلسطين ومواجهة إسرائيل وبيعه السلاح للأقطار العربية بتلك الذريعة، وذلك السلاح في الغالب دفاعي وبدائي مقارنة مع ما يتم تخصيصه للعدو، كما إن ذلك السلاح بكمياته وكلفته كان على حساب التنمية والإنسان. وهذا ما يُمكننا ملاحظته بجلاء منذ احتلال فلسطين؛ حيث شكلت مواجهة العدو استنزافَ جُل الموارد العربية على تواضع بعضها دون نتيجة تُذكر، وذلك لغياب التوصيف العربي للعدو، ولغياب الوعي بمن يقف خلفه ومصلحته من ذلك. وقد ذكر الرئيس المصري الراحل أنور السادات أنه زار الاتحاد السوفييتي 4 أربع مرات بين عامي 1971 و1972، وقال له الروس بالحرف الواحد وفي كل زيارة إن "إسرائيل خط أحمر".

وفي المقابل، أوجدت ثقافتي "بلفور" و"سايكس بيكو" دولة عربية قُطرية هشّة، الأمر الذي جعل عرب زماننا يتعرفون على الكيان عبر البوابة الغربية، فسهُل على الكيان سكب سرديَّاته التاريخية من قوة وبطش وتجسس وأحقية تاريخية حتى صدقها بعض العرب بحكم الالحاح وغياب السردية العربية المضادة.

لهذا لا حظنا من يلهث خلف التطبيع بأسماء وذرائع مختلفة بلغت أوجها في مواجهة وتسفيه أي مقاومة للعدو، وبين من يعتبر الكيان قضاء وقدر.

ذاكرة السمكة التي يتمتع بها عرب زماننا أنستهم مذابح العصابات الصهيونية بفلسطين، واغتيال العلماء العرب والعقول العربية من قِبل "الموساد"، وتدمير مفاعل تموز العراقي، واستهداف القيادات الفلسطينية بتونس، واجتياح لبنان، واستباحة سورية والعراق وليبيا واليمن اليوم، وما زال بعضهم يعتقد بأن السلام والتطبيع سيروض الكيان ويسمح للعرب بالنهوض!!

قبل اللقاء: من يقرأ التاريخ، يقرأ المستقبل.

وبالشكر تدوم النعم.

***

1- "وعد بلفور": بيان علني صدر عام 1917م عن وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور، تعهدت فيه بريطانيا بتسهيل تأسيس "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، مقابل دعم الصهيونية. ويعد الوعد خطوة أساسية في إنشاء دولة إسرائيل، ولكنه تجاهل حقوق الفلسطينيين الذين كانوا يشكلون غالبية السكان، ووُصف بأنه "وعد من لا يملك لمن لا يستحق".

2- اتفاقية "سايكس بيكو"، كانت اتفاقًا سريًا عُقد في عام 1916م بين بريطانيا وفرنسا، بمصادقة روسيا القيصرية، لتقسيم ممتلكات الدولة العثمانية في غرب آسيا والشرق الأوسط أثناء الحرب العالمية الأولى. وحددت الاتفاقية مناطق نفوذ للقوى الثلاث؛ حيث أُعطيت فرنسا سوريا وجزءًا من الأناضول، بينما حصلت بريطانيا على العراق الجنوبي وفلسطين مع ميناءي حيفا وعكا. تم تسمية الاتفاقية نسبةً إلى الدبلوماسيين البريطاني والسير مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو، اللذين قادا المفاوضات.

الأكثر قراءة