أميمة بوخليفي **
تظل التنمية المُستدامة في جوهرها مشروعًا إنسانيًا قبل أن تكون اقتصاديًا أو عُمرانيًا، فهي استثمار في طاقات الإنسان وقدرته على الإبداع والتجديد. وفي العالم العربي، يشكل الشباب القلب النابض لأي تحول حقيقي، حيث يشكلون قوة متجددة تحمل في طموحها وإمكاناتها جسور العبور نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
غير أن الواقع يكشف أن هذا الرصيد البشري الضخم لم يجد بعد المساحة الكافية ليُعبر عن إمكاناته، فالكثير من الشباب يواجهون قيودًا ثقافية واجتماعية تحد من مشاركتهم الفعلية في القرار، كما أن البطالة وصعوبة الحصول على فرص عمل أو تمويل لمشاريعهم تجعل أفكارهم المبدعة حبيسة النوايا. ورغم أن آفاقًا جديدة بدأت تُفتح أمام الشباب، إلا أن المشاركة السياسية ما تزال محدودة، كما إن منظومة التعليم لم تنجح دائمًا في وصل المعارف النظرية بالمهارات التطبيقية التي يتطلبها الاقتصاد.
كثير من الشباب في المهجر أثبتوا نجاحًا لافتًا في مجالات متعددة، والسر في ذلك لم يكن اختلافهم عن أقرانهم في أوطانهم، بل لأن البيئات التي استقروا فيها وفرت لهم الدعم والفرص فانبثقت مواهبهم وأبدعوا، فحيثما توفرت بيئة داعمة، تظهر قصص نجاح لافتة لشباب يحولون التحديات إلى فرص، سواء من خلال ريادة الأعمال، الانخراط في الاقتصاد الرقمي، أو تحديث القطاعات التقليدية والصناعة بوسائل أكثر إنتاجية، ما يعكس أهمية خلق مساحة حقيقية للشباب ليكونوا شركاء فاعلين في صناعة المستقبل.
إن التنمية المستدامة لا تتحقق إلا عبر دمج أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وجعل الشباب في قلب هذه المعادلة لا على هامشها، فالأمر لا يقتصر على تمويل أو برامج حكومية، بل رؤية مجتمعية شاملة تؤمن أن إشراك الشباب هو ركيزة الاستقرار والتقدم، وأن تمكينهم ليس مغامرة؛ بل استثمارا مضمون العائد. عندها فقط تتحول الطموحات إلى إنجازات، والأحلام إلى مشروعات، والأفكار إلى تحول يلمسه الجميع، ويظل تأثيره ممتدًا في المستقبل.
ولعل التحدي الأكبر اليوم يكمن في كيفية الانتقال من الخطاب إلى التطبيق، فالمجتمعات العربية لا تفتقر إلى البرامج أو المبادرات، لكنها تحتاج إلى آليات متابعة ناجعة تضمن استمرارية المشاريع وتمنع توقفها عند حدود الشعارات.
إن إقامة شراكات حقيقية بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني يمكن أن يشكل رافعة قوية لدعم الشباب، كما أن الاستثمار في تعليم مبتكر وتكوين مهني ملائم لمتطلبات السوق سيفتح أمامهم آفاقًا أوسع. من جهة أخرى، فإنَّ تعزيز روح المواطنة والانتماء لدى الشباب يجعلهم أكثر استعدادًا لتحمل المسؤولية والمشاركة الفاعلة في بناء مستقبل مشترك. إن الثقة التي تُمنح لهم اليوم هي البذرة التي ستنمو غدًا لتثمر مجتمعات أكثر استقرارًا وازدهارًا، وقادرة على مُواجهة التحديات بروح جماعية وإبداعية.
** باحثة تنموية- المغرب