أحمد الفقيه العجيلي
لم يعد إجرام الكيان المحتل محصورًا في غزة أو لبنان أو غيرها من ساحات المواجهة؛ بل تمدّد ليصل إلى قلب الخليج؛ فالاستهداف الأخير للدوحة شكّل صدمة غير مسبوقة؛ إذ طاول دولة وُصفت طوال السنوات الماضية بالحليف الموثوق والوسيط النشط في ملفات المنطقة.
فجأةً، وجدت قطر نفسها في مرمى النيران، ومعها اكتشف العالم أن هذا الكيان لا يعترف بحدود ولا يأبه حتى بمكانة من كان وسيطًا أو صديقًا للولايات المتحدة.
المفاجأة لم تكن في جرأة الاعتداء فحسب؛ بل في أنه طال دولة محسوبة ضمن "المظلة الأمريكية"، فإذا بهذه المظلة تتبخر عند أول اختبار حقيقي. الرسائل كانت واضحة: الخليج كله في مرمى النيران، والوساطة لم تعد ضمانة، والغطاء الأمريكي شريك في الجريمة أكثر منه رادعًا.
ردود الفعل جاءت واسعة، لكن متفاوتة. رئيس الوزراء القطري حمّل مباشرةً رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مسؤولية "قتل أي أمل" في تحرير الرهائن عبر الوساطة، فيما أدانت الجامعة العربية الاعتداء بوصفه خرقًا صارخًا للقانون الدولي وتجاوزًا لكل الأعراف. الأمم المتحدة دانت بدورها، وتأجل اجتماع مجلس الأمن ليتزامن مع حضور رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري؛ ما يُضفي على الجلسة ثقلًا استثنائيًا. أما الموقف الأمريكي فبقي مرتبكًا؛ تصريحات متناقضة عن توقيت الإخطار، وإشارات خجولة إلى "عدم ملاءمة" الضربة، فيما الجميع يترقب موقف واشنطن من القرار الأممي المرتقب.
وسط كل ذلك، جاء تصريح قطري لافت بعد الهجوم يقول إن "العلاقات الأمنية أصبحت أكثر قوة". تصريح بدا في توقيته مثيرًا للتساؤل: هل المطلوب طمأنة الحلفاء أم مراجعة التحالفات من أساسها؟
الواقع أن قطر أمام مفترق طرق حقيقي. المطلوب- من وجهة نظرنا- الآن ليس بيانات غضب عابرة؛ بل خطوات عملية، تتمثل في إعادة تقييم العلاقة الأمنية مع واشنطن، التي سمحت بالعدوان أو على الأقل لم تمنعه، وبناء موقف خليجي موحّد يرفض استباحة أراضيه تحت أي ذريعة، علاوة على نقل الملف إلى المؤسسات الدولية وتوثيق الاعتداء باعتباره تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن العالميين. والأهم: إدراك أن الحياد أو لعب دور الوسيط لم يعد ضمانة للبقاء خارج دائرة النار.
استهداف الدوحة لم يكن حدثًا عابرًا؛ بل محطة فارقة تكشف أن الكيان بات خطرًا على الجميع. وإذا لم يدرك العالم هذه الحقيقة، فسوف تتسع دائرة النار لتلتهم الجميع دون استثناء.