زاهر بن سيف المسكري
تمر منطقتنا والعالم بمرحلة فاصلة، تتكاثف فيها الرياح من كل جانب، وتنهار القلاع التي بُنيت على أوهام القوة والتبعية. الخليج اليوم أمام مفترق طرق لا يقبل التردد: أن يكون شاهدًا على ولادة قوة مستقلة، أو أن يتحول إلى فريسةٍ للابتزاز والاستعباد.
إن السياسات العابرة، المبنية على الصفقات الفورية، أشبه بمن يبيع ماء الحياة ليشتري سرابًا، ثم يكتشف أن العطش يزداد. فالخطر لم يعد محصورًا في الخليج فقط، بل يمتد ليطال كل الأرض والبشر، فالقطر الصغير يمكن أن يكون جرس الإنذار العالمي الذي يُطرق ويُسبر بعمق.
قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» (الرعد: 11).
لقد هرولت بعض العواصم الخليجية إلى التطبيع، ودفعت مليارات الدولارات طلبًا لحماية البيت الأبيض، فإذا بالحماية تتحول إلى ابتزاز سياسي، وبالصداقة الموعودة إلى عداء مكتوم، وبالابتسامة الدبلوماسية إلى استصغار مهين.
إن الذين ظنوا أن المال يشتري لهم الحماية تناسوا أن الغرب لا يرى في الخليج سوى خزان نفطٍ وأرصدة سيولة، وأن أول ما يفعله عند الأزمات هو التضحية بحلفائه ليبقى هو المنتصر.
تتصرف إسرائيل اليوم بسطوة على رؤساء الغرب ومؤسساته، حتى أصبح القرار الدولي مرتهنًا للوبي الصهيوني. لكن هذا الغرور ليس قوة دائمة، بل هو قمّة الانحراف قبل السقوط.
التاريخ يعلمنا أن كل قوة أسرفت في التكبر كانت نهايتها الانكسار، من بابل إلى روما، ومن الاستعمار الأوروبي إلى الاتحاد السوفييتي.
وعلى قادة الدول أن يعرفوا أن الأمور تتجاوز الرؤساء الفرديين؛ فالفساد متفشٍ في الغرب، والفضائح التي نشرتها الصحف الغربية لا تُحصى: جفري إبستين، الأمير أندرو الذي عزلته والدته الملكة، وغيرها الكثير.
الرؤساء ليسوا أحرارًا، بل هم أسرى ابتزاز مالي وأخلاقي؛ حيث إن ترامب أُسكت بملفات الأطفال، وكلينتون كادت فضيحة “مونيكا” أن تعصف به بفارق صوت واحد عن العزل.
كل ذلك يثبت أن الغرب، بالرغم من صورته المهيمنة، واقع تحت سيطرة صهيونية مركزية تتحرك من وراء الجدر، كما وصف القرآن: «وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ» [البقرة:11].
حتى الشعب البريطاني، الذي يظن نفسه إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، واقع تحت تأثير بني إسرائيل من الصهاينة، ويتحرك باسم ما يظنونه إرثًا، بينما الواقع عبودية وخضوع.
رسالة واضحة: لا مجال إلا للوحدة بدل التفرد؛ فمن غازل الغرب وهو ضعيف، وجد نفسه تابعًا لا متبوعًا، خاضعًا لا مخضّعًا.
قال تعالى: «وَأَنفِقوا فِي سَبيلِ اللَّهِ وَلا تُلقوا بِأَيديكُم إِلَى التَّهلُكَةِ» [البقرة:195].
إن قصف الدوحة يوم الثلاثاء كان أكثر من حادث سياسي؛ إنه جرس إنذار عالمي؛ فالسماح بمروره دون ردٍّ واضح وقرار حازم، يفتح الباب لاستعباد الأحرار، ويهدد كل الأرض، وليس الخليج وحده.
وليعلم الزعماء أن الثقة هي الرباط مع شعوبهم والاستشعار بهمومهم الشاملة من دين ودنيا وكرامة العلم والعزة والرفعة؛ فإذا انقطع الحبل، فلن يبقى سوى لعنة التفكك التي تنذر بها الشعوب، وعين ما يتمناه إبليس وأعوانه من وراء جدر الدول الكبرى ومجلس الأمن في نشوة غرورهم.
القوة ليست في صفقات السلاح وحدها، ولا في صور تُلتقط مع زعماء الغرب؛ بل في بناء منظومة أمنية واقتصادية مستقلة.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله»، وقال السلطان قابوس: «إن بناء الدولة يقوم على العدل، وإذا غاب العدل انهارت أركانها ولو عظمت».. هذه الكلمات ليست شعارات، بل قوانين تاريخية وسنن إلهية.
إلى دول الخليج والعالم الإسلامي.. اعلموا أن جنة الدنيا زائلة، وأن جنة الآخرة خالدة، وحرية الخيار بين أيديكم، أن حافظوا على الكرامة والوحدة، وتبنوا قوة مستقلة تحمي الشعوب.
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2).