هل ضاعت المليارات في سوق التواطؤ الأمريكي؟

 

 

 

د. أحمد بن علي العمري

 

إسرائيل، الإبرة المحفورة في خاصرة الأمة العربية والإسلامية ظلمًا وقهرًا وبهتانًا، فقد كان بالإمكان أن تُقام هذه الإبرة التي تُسمى دولة إسرائيل في أفريقيا أو أوروبا أو أمريكا اللاتينية أو آسيا أو حتى القطب الشمالي أو الجنوبي، ويُلملم لها الأشتات من الصهاينة من كل بقاع العالم، ولكنهم زرعوها في الشرق الأوسط نكاية وتضليلًا…

دلّعتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى درجة الميوعة،

وتماهت معها أوروبا إلى أقصى درجات التماهي، وقد ثبت للعالم أنَّ أوروبا لم تعد سوى نمرٍ من ورق، وسكت عنها العالم أجمع، شرقه وغربه، إلى درجة البكم، وطبّعت معها الدول العربية والإسلامية إلى الحد الذي شبعت فيه هي من التطبيع،

وماذا… وماذا… وماذا بعد؟!!!!

لقد تحكّم فيها سموتريتش وبن غفير المتطرفان، وجرّا خلفهما نتنياهو بالحبل الذي تُقاد به الكلاب، وهو الذي يتفادى المحاكمات الداخلية والدولية، لدرجة أنه عندما يُسافر للقاء سيده في البيت الأبيض، يُغيّر مسار طائرته خوفًا من أن يمرّ بأجواء بلدٍ ينقضّ عليه ويسلّمه للمحكمة الدولية.

ولكن إلى متى هذا الفجور والتمرد والسفور والغلو، والهروب من الواقع، وهو وزمرته من المتطرفين يعلنون إسرائيل الكبرى (من الفرات إلى النيل)، ويريدون أن ينقضّوا على الضفة الغربية ويضموها بالكامل إلى مستوطناتهم، ووزير المالية سموتريتش يمنع السلطة الفلسطينية من الحصول حتى على أموالها المستحقة والشرعية من الضرائب وغيرها، وحتى منع مدارسها من بداية عامها الدراسي.

وليس هذا فقط، بل التوجّه إلى غزة بتشريد أهلها واستحلالها، وهدم ما بقي من مبانيها، واعتبروا نسف الأبراج انتصارًا لهم وتشدّقوا به، والبلاد الإسلامية بمليارها ونصف تتفرّج بلا حيلة ولا قدرة، والعالم الجبان مطبق الصمت، والمجاملون في غيّهم.

نعم، هدموا الأبراج، وقبلها هدموا البشر والحجر والشجر، وماذا يضرّ سلخ الشاة بعد ذبحها؟

وها هي إسرائيل ما زالت تمضي في غيّها وفجورها، فبعد إطلاق آليتها العسكرية في الضفة وغزة، تستمر بلا رادع ولا صادّ لها في ضرب لبنان وسوريا كيفما شاءت ومتى ما أرادت، تحت مرأى ومسمع من العالم المجامل… تخيّلوا معي لو قامت بهذا دولة عربية أو إسلامية… ماذا سيحدث؟ لكانت صرخت الدنيا برمتها واستنكرت، ومن ضمنها دول عربية وإسلامية، ولربما تدخلت أمريكا وأوروبا عسكريًّا… وعندما أقول "ربما" فإن ذلك من باب الحياد، ولكن في الواقع فإنِّه من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بكاملها سوف تتدخل.

كما يحدث التضامن مع أوكرانيا، وتجاهل مبهم ومقصود لغزة، ولكن ما دامت إسرائيل الحبيبة المدلّلة هي من تفعل ذلك، فإن الأمر عليهم بردًا وسلامًا!!

أين هي العدالة الإنسانية والمساواة وحرية الشعوب؟

لقد رمت إسرائيل بكل القوانين والقرارات الدولية عرض الحائط، غير آبهة ولا مكترثة، ولقد وصل بها الغلو والغطرسة إلى ضرب دوحة الجميع في الشقيقة قطر بعدد 15 طائرة مزوّدة بأحدث ما ابتكرته التقنية العالمية، ومصدرها طبعًا معروف، وهو أمريكا، بدعوى استهداف قادة حماس في قطر التي بذلت الوقت والجهد والمال في الوساطة، وحتى استقبلت وفودًا إسرائيلية عدة في سبيل تحقيق السلام، وتحملت على عاتقها راية السلام المحايدة.

والسؤال هنا: لماذا انتظرت إسرائيل عودة قادة حماس من تركيا إلى قطر؟! ولماذا لم توجّه لهم ضربات في تركيا؟! ولماذا تريد إسرائيل اغتيال الوفد المفاوض الفلسطيني وهو المتواجد في الدوحة؟!

إن دولة قطر ونظيراتها من دول مجلس التعاون الخليجي ليست أراضٍ مُستباحة، كما أنه لا يوجد بها الجواسيس الوضيعون الذين تبحث عنهم إسرائيل، ولهذا فقد أخفقت عمليتها في الدوحة، ورجعت بخُفّي حُنين، وفوقهما الخزي والمذلة العالميان، إن كان هناك ما زال حياء في العالم.

والغريب والعجيب أنَّ إسرائيل تُعلن أنَّها أبلغت أمريكا باستهداف قطر، وأمريكا تُقرّ بذلك… تخيّلوا معي لو قامت المضادات القطرية باعتراض الطائرات الإسرائيلية، ماذا يمكن أن يحدث؟ من المؤكد أنَّ الدفاعات الجوية الأمريكية سوف تنطلق من قاعدة العديد في قطر لضرب الدفاعات القطرية.

بعد كل الذي عملته قطر وضحّت من أجله لأجل إسرائيل وأمريكا، هل يكون هذا جزاؤها؟

إذا أكرمت الكريم ملكته

وإن أكرمت اللئيم تمرّدًا

اليوم إسرائيل تهاجم سيادة قطر وأمنها ورخاءها، فهل سيكون هذا انطلاقة لاستهداف الدول الخليجية بلا حياء ولا رياء؟

وهل ذهبت المليارات مهبّ الريح؟! لتتحوّل إلى إسرائيل حتى تضربنا بها بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية؟!

ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها

فرجت وكنت أظنّها لا تُفرج

إنّ نصر الله قريب بإذن رب العالمين

وإنّ غدًا لناظره قريب.

الأكثر قراءة