العدوان الإسرائيلي على قطر.. بلطجة تتجاوز سيادة الدول

 

 

 

خالد بن سالم الغساني

 

حين تُستباح سيادة دولة عربية على مرأى ومسمع العالم، وتتحول سماء المنطقة إلى ممر سالك وآمن لطائرات الاحتلال، يتأكد لنا أننا أمام تحدٍّ صارخ للعالم أجمع دون خشية من قانون أو خوف من مساءلة من قبل دويلة الكيان الإسرائيلي؛ ففي استهزاء وعربدة لا يعترفان بقانون ولا يحترمان سيادة ولا يحسبان أي حسابات لوجود آخر، استهدفت إسرائيل قادة المقاومة الفلسطينية في قطر بموافقة أمريكية مسبقة، وبتسهيل عبور الطائرات عبر أجواء عربية، بينما أعلن ترامب بفجاجة ووقاحة واستهتار، أنه أبلغ الدوحة بالضربة قبل وقوعها.

هذا الاعتداء يكشف عن ثلاثة أبعاد رئيسية، أولها أنّ إسرائيل مستمرة في مواصلة اعتماد الاغتيالات كسياسة ثابتة ضد المقاومة الفلسطينية وقادتها، معتبرة أنّ يدها يجب أن تطال المعارضين حتى خارج فلسطين وفي أي مكان من العالم. ثانيها أنّ ثمرة التطبيع العربي مع دويلة الكيان قد نضجت بما فيه الكفاية، وأصبح المجال أمام الطيران الإسرائيلي مباحًا ومتاحًا، وجعل بعض العواصم عاجزة عن الاعتراض أو حتى الإدانة. أما البعد الثالث فيتمثل في العربدة الأمريكية – الإسرائيلية، حيث يُدار العالم بمنطق القطب الواحد، وتُفرض المصالح بالقوة بعيدًا عن أي احترام للقوانين والأعراف الدولية.

الموافقة الأمريكية على هذه الفعلة الخسيسة، لم تكن مفاجئة وليست أمرًا جديدًا على دوائر القرار الأمريكي، فواشنطن لطالما وفرت الغطاء السياسي والعسكري لتل أبيب، لكن الجديد هو التصريح العلني من الخَرِف ترامب، الذي حمل استخفافًا مزدوجًا بسيادة دولة حليفة من جهة، وبكرامة العرب جميعًا من جهة أخرى، وبلا اكتراث لكل العالم من جهة ثالثة.

الضربة إذن ليست عملية عسكرية بحد ذاتها، إنها مجموعة رسائل سياسية وأمنية؛ فهي رسالة إلى المقاومة الفلسطينية بأنها مُطارَدة في أي مكان من العالم، ورسالة إلى الدول العربية بأن إسرائيل فوق القانون وبأن التطبيع معكم لا يعني عدم اختراق أجوائكم أو احترام سيادات دولكم بالمطلق، ورسالة انتخابية للنتن تُستخدم في الداخل الإسرائيلي والأمريكي على السواء.

ما جرى في قطر يؤكد أن القضية لم تعد محصورة بالحدود أو بالجغرافيا؛ بل تتعلق بكرامة وسيادة وشرعية دولية. إسرائيل اليوم تتصرف كقوة مطلقة الصلاحية، والولايات المتحدة تُشرعن عربدتها؛ بل وتوفر لها كل الأدوات التي تساعدها على تنفيذ أهداف هذه العربدة وتحميها، فيما الأنظمة العربية المغلوبة على أمرها تقف حائرة بين صمت وتواطؤ. والنتيجة المكررة والمستخلصة، أن المنطقة تُدار وفق تفاهمات ثنائية، تُسقط السيادة الوطنية، وتحوّل القوانين الدولية إلى مجرد نصوص فارغة، وتقول للعالم: انقعوها واشربوا ميتها.

ويبقى السؤال الأوسع والأكبر والأهم والمكرر موجهًا إلى المجتمع الدولي: هل ستستمر أمريكا وربيبتها إسرائيل في هذا التلاعب والاستخفاف بالقوانين والمواثيق الدولية دون رادع؟ وما جدوى هذه القوانين أصلًا إن كان واضعوها عاجزين عن حمايتها وصونها؟

والسؤالان الأخيران لنا ولدولنا، لمجرد التمعن والتفكير على مهل حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.. ما فائدة التحالف مع آخر يدّعي أنه حليف وصديق عند المصلحة ويثبت أنه عدو وغادر ومبتز ومستفز حين المصلحة أيضًا، لكنها القائمة على المبدأ والثوابت؟ وماذا وراء التطبيع من فائدة تُرجى، أو من أمنٍ وسلامٍ يمكن أن يحل، وأول عربدته فوق أجوائنا وانتهاك لسياداتنا التي يفترض شرعًا وهويةً ونسبًا وجغرافيةً أنها واحدة؟!

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة