الزيارات الميدانية تكليف وضرورة.. وليست صورة للإعلام

 

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

لم تعد الزيارات الميدانية للمسؤولين ترفًا إعلاميًا أو مجرد مناسبة للتصوير وتبادل المجاملات. مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وتنامي وعي المواطن، أصبحت هذه الزيارات تخضع لرقابة دقيقة من الرأي العام، الذي يتابع، ويسجل، وينتقد. من هنا يبرز التساؤل: هل ما زلنا نمارس هذه الزيارات بعقلية الأمس، أم آن الأوان لتأسيس نهج جديد يجعلها جزءًا من سياسة وطنية شاملة؟

في السابق، كانت الزيارات الميدانية مجرد محطة بروتوكولية، تحمل طابعًا شكليًا أكثر من كونها أداة عملية لمعالجة القضايا. لكن المشهد الاجتماعي تغيّر. المواطن اليوم ليس كما كان بالأمس؛ فهو ناقد، مطلع، متابع لما يجري في ولايته ومحافظته، ويطالب بإجابات مباشرة من أصحاب القرار.

المواطن يريد أن يشعر أنه قريب من الحكومة؛ بل جزء من الحكومة. المواطن أصبح في عالم افتراضي به كل شيء، ولن يُشبع فكره وزيرٌ في مكتبه لا يعلم ما يفعل ولا يعلم عن مستوى تطلعه لحل الأمور؛ بل ومقدرته على ذلك. والمواطن يريد أن يكون الوزير يمثل حلًا حقيقيًا لكل ما يفسد فكره من ملايين الأفكار المتبادلة عبر أودية التواصل الجارفة.

من هنا تصبح الزيارة فرصة حقيقية لاختبار كفاءة المسؤول، لا من خلال الكلمة التي يلقيها أمام الكاميرا؛ بل من خلال قدرته على الاستماع، والتوضيح، واتخاذ القرار الفوري، وإقناع المواطن بأن الحكومة موجودة معه ولأجله.

ولكي تنجح الزيارة وتحقق أهدافها، يجب أن تكون مبرمجة ضمن خطة وطنية واضحة، تعتمدها الجهات السياسية العليا، بحيث تكون زيارة شهرية لكل ولاية على الأقل. الهدف ليس فقط الاطلاع على الواقع، وإنما معالجة المشكلات بشكل مباشر على أرض الميدان، وبقرارات واضحة وسريعة.

هذا التوجه يخفف من حدة الانتقادات التي تتناقلها وسائل الإعلام والتواصل، ويجعل الزيارة منصة عمل حقيقية، وليست مجرد مناسبة شكلية.

والمسؤول الذي يزور الولايات يجب أن يثبت أنه أهل للثقة، لا بمجرد حضوره؛ بل بقدرته على الإجابة عن تساؤلات الناس، وبتعامله المباشر مع قضاياهم. المواطن عندما يرى أن الوزير بنفسه يستقبل أوراقه ووثائقه، بدلًا من أن يتركه لموظف عادي، يشعر بصدق التواصل بينه وبين الدولة. وهذا الشعور لا يُشترى بالدعاية؛ بل يُبنى من خلال مواقف عملية وصادقة.

إنَّنا بحاجة إلى فلسفة عالية الدقة تقوم على الدمج بين الأداء الميداني، والقدرة على الحل، والمواجهة المباشرة مع قضايا الناس. فلسفة تجعل من الزيارة أداة استراتيجية تهدف إلى:

  • تقديم حلول واقعية وسريعة للمشكلات المحلية.
  • تعزيز الثقة بين المواطن والحكومة.
  • إسكات الأصوات العشوائية التي قد تستغل الفجوات لنشر الشكوك.
  • تطوير أساليب الإدارة الميدانية بما يتناسب مع سرعة العصر ومتغيراته.

وأخيرًا.. الزيارة الميدانية في مسيرة نهضتنا المُتجددة لم تعد نزهة إعلامية؛ بل هي امتحان حقيقي للمسؤول. إمَّا أن يثبت كفاءته، أو أن يُظهر عجزه أمام الناس. والمطلوب اليوم هو أن تتحول هذه الزيارات إلى أداة عمل رصينة، ضمن برنامج وطني متكامل، يُقاس فيه الأداء بالكفاءة والنتائج لا بالكاميرات والصور.

المواطن لا يريد خطابات طويلة ولا صورًا برَّاقة؛ بل يريد قرارًا يغير واقعه ويشعره أن الحكومة أقرب إليه من أي وقت مضى، فإمَّا أن يزور ويتخذ قرارًا يتبادله الناس بكل مصداقية، أو أن يعتذر ويعطي الفرصة لغيره.

الأكثر قراءة