الاحتواء.. مفتاح التربية السليمة

 

 

د. أحمد بن موسى البلوشي

يُعَدّ احتواء الأبناء من أهم أدوار الوالدين في التربية الحديثة؛ حيث لا يقتصر دورهم على توفير المأكل والملبس والتعليم؛ بل يتجاوز ذلك إلى منح الأبناء مساحة آمنة للتعبير عن مشاعرهم، وفهم احتياجاتهم، ودعمهم في مواجهة التحديات التي تعترض طريقهم، وظروف حياتهم المختلفة.

الاحتواء هو أن يشعر الابن بأن أسرته هي الحاضنة الأولى له، وأن والديه يتفهمان مشاعره ويقدّران جهوده ويقفان بجانبه في لحظات الفرح والحزن، ويكونان البوصلة التي تساعده على المسير في الاتجاه السليم، وهو يختلف عن التدليل الزائد أو السيطرة، إذ يقوم على التوازن بين الحزم والحنان.

تتمثل أهمية احتواء الأبناء في كونه ركيزة أساسية لبناء شخصياتهم وصقل قدراتهم؛ فعندما يشعر الابن أن والديه يتقبلانه كما هو، تزداد ثقته بنفسه ويقوى إيمانه بقدراته. كما إن الاحتواء يحمي الأبناء من الانحرافات، إذ إن من لا يجد الدفء والدعم داخل أسرته قد يبحث عنه خارجها بطرق خاطئة، وإلى جانب ذلك، يسهم الاحتواء في تعزيز الروابط الأسرية وجعلها قائمة على المحبة والاحترام المتبادل، كما يساعد الأبناء على تنمية مهارات التواصل من خلال الحوار والتفاهم، فيتعلمون التعبير عن مشاعرهم بوعي واتزان.

يظن بعض الآباء أن محبة أبنائهم واحتواءهم ينبغي أن تكون مشروطة بسلوكياتهم، فإذا أخطأوا ابتعدوا عنهم أو قسوا عليهم. لكن الحقيقة أن الأبناء يكونون في أشدّ الحاجة إلى الاحتواء حين يخطئون، فالأزمات التربوية لا تعالج بالإقصاء والعقاب القاسي بقدر ما تُعالج بالفهم والحوار والتوجيه.

لماذا نحتوي أبناءنا رغم أخطائهم؟ لأن الخطأ في الأساس جزء طبيعي من عملية النمو والتعلم، فالطفل لا يمكنه إدراك الصواب إلا عبر المرور بمحاولات خاطئة. كما إن الاحتواء يمدّ الأبناء بالأمن والاستقرار النفسي؛ إذ يشعرون أن والديهم لا يرفضونهم بسبب أخطائهم؛ بل يقفون بجانبهم لمساعدتهم على تجاوزها، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم. إضافة إلى ذلك، فإن القسوة المستمرة والرفض الدائم قد يدفعان الأبناء إلى التمرد والعناد، بينما يفتح الاحتواء باب الإصلاح والحوار، والأهم أن الاحتواء لا يعني التبرير للأخطاء أو التغاضي عنها؛ بل هو أسلوب لتعليم الأبناء تحمّل المسؤولية والبحث عن حلول تعينهم على تصحيح مسارهم.

تتعدد أساليب احتواء الأبناء وتتنوع بما يضمن تلبية احتياجاتهم النفسية والتربوية، ومن أهمها الإصغاء الجيد لهم؛ حيث يمنح الاستماع إلى الابن دون مقاطعة شعورًا عميقًا بالتقدير. كما يُعد الحوار الهادئ وسيلة فعّالة لمناقشة الأخطاء بأسلوب تربوي بعيد عن الصراخ أو الإهانة، مما يعزز الثقة ويقوي العلاقة. وإلى جانب ذلك، فإن التشجيع والدعم من خلال الثناء على الإنجازات الصغيرة والكبيرة يغذي دافع الأبناء نحو التقدم والنجاح. ولا يقل عن ذلك أهمية التعبير عن الحب بالكلمة الطيبة والابتسامة واللمسة الحانية، إذ يحتاج الأبناء باستمرار إلى الشعور بالمودة والاهتمام. كما إن إشراكهم في اتخاذ بعض القرارات يساعد على تعليمهم المسؤولية ويقوي شخصياتهم، ليكونوا أكثر استعدادًا لمواجهة تحديات الحياة بثقة واتزان.

إنَّ احتواء الأبناء ليس رفاهية تربوية؛ بل هو ضرورة لبناء جيل متوازن، واثق بنفسه، مرتبط بقيمه وعاداته، ولا يعني الاحتواء أن نتغاضى عن مشكلاتهم؛ بل يعني مرافقتهم في رحلة الإصلاح. فالأبناء الذين يجدون في بيتهم صدرًا رحبًا يحتضنهم عند السقوط، هم أكثر قدرة على النهوض، وأكثر استعدادًا لبناء علاقة إيجابية مع والديهم تقوم على الثقة والاحترام المتبادل.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة