التغلغل في النسيج الخليجي

 

 

 

راشد بن حميد الراشدي

 

ثورة النفط وما حققته من طفرة ونماء في دول الخليج قفزت بهذه الدول من دول فقيرة الموارد والإمكانيات إلى دول عصرية متحضرة فائقة الإمكانيات، تمتلك مقومات الرفاهية والحياة العصرية المتقدمة والمال؛ حيث تحولت قراها ومدنها من مدن بسيطة بلا أي مظهر تنموي يُذكر إلى مدن نموذجية متحضرة تضاهي مدن العالم المتحضر في تطورها ونمائها.

كل تلك الثورة النفطية أدت إلى قيام ثورة تنموية كبيرة في مختلف المجالات الحياتية التي تطلبت وجود موارد بشرية عاملة من بلدان شتى، فجعلت دول الخليج قِبلة للكثير منهم طوال السنوات الماضية، خاصة من الدول الآسيوية القريبة، والتي وفد منها ملايين العاملين منذ نصف قرن للعمل في مختلف المجالات. وأصبحوا اليوم يشكلون أكثر من نصف سكان الخليج، فصار الاعتماد عليهم أمرًا مفروضًا، مع تأثر أبناء الخليج بهذا المد الكبير واعتمادهم الكلي على القوى العاملة الوافدة التي سيطرت على معظم شرايين التجارة والاقتصاد والعمل. وهنا وجب الوقوف أمام هذه الظاهرة بحزم وجدية وتخطيط سليم، حتى لا تتغير معايير القوى العاملة لصالح القوى العاملة الوافدة على حساب المواطنين من أبناء الخليج كما نراه اليوم في العديد منها.

إن ما يحدث هو تغلغل جذري في تشكيلة وتركيبة هذه الدول السكانية والديموغرافية، والذي أفرز الكثير من الكوادر الوافدة التي تعتمد عليها هذه الدول؛ حيث يزداد نفوذ هذه القوى العاملة يومًا بعد يوم في مفاصل دول الخليج على حساب المواطن في كل المجالات، خاصة الاقتصادية، بعد أن حققوا ثروات كبيرة، فأصبحت إدارة التجارة والاستثمارات بأيديهم، وأصبح المواطن في دول الخليج باحثًا عن عمل، بل عاملًا في شركاتهم التي تنمو يومًا بعد يوم وتحبذ توظيف الآلاف من الكوادر البشرية من بني جلدتهم على حساب مواطني دول الخليج، وهذا جلي وواضح في معظم دولنا وظاهرة تتسع رقعتها يومًا بعد آخر.

إن انتشار هذه القوى العاملة الوافدة بهذا الشكل المخيف له تداعيات سلبية كثيرة تهدد دول المجلس واستقرارها، وتهدد بنيتها الاجتماعية وعاداتها وتقاليدها ودينها وأسسها القويم، مقابل عادات ومعتقدات ومبادئ مستوردة يصعب التطبع معها، كما إنها تستفيد من البنى التحتية والخدمات في دول المجلس، التي أحق بها أبناء الوطن.

إن القوانين المساندة للقوى العاملة الوافدة في دول الخليج، والحقوق والمزايا التي يحصلون عليها في بلداننا -والتي لا يجدونها حتى في أوطانهم- ساهمت وتسهم في تمدد هذه القوى العاملة على حساب الأوطان ومواطنيها، وخاصة بعد ظهور ظواهر عديدة منها: ظاهرة الباحثين عن عمل من المواطنين، مع وجود ألوف الوافدين العاملين في مختلف المجالات التي يمكن إحلال المواطنين فيها كفرص وظيفية تسهم في تحسين دخل الأسر والقضاء على البطالة المتفشية التي دخلت كل بيت، ومنها أيضًا ظاهرة تحويل مليارات الدولارات سنويًا إلى بلدانهم دون استفادة دول المجلس منها، أضف إلى ذلك كثيرًا من الظواهر الاجتماعية والاقتصادية الأخرى.

إن وجود عدد كبير من الوافدين أصحاب الثروات، الذين كوّنوا ثرواتهم من دول الخليج، وصار لهم تدخلات ونفوذ في مفاصل بعض الدول -خاصة في الجانب الاقتصادي والمالي- شكَّل خطورة ونقطة حوار تستوجب الانتباه، إن توافد هذا العدد الكبير من القوى العاملة الوافدة وتمددها أصبح مصدر قلق ومنافسًا حقيقيًا للمواطن في مجال ريادة الأعمال، رغم وجود الفرص الوظيفية الكثيرة التي يجب أن تذهب للمواطن بدل الوافد.

ختامًا.. إن مقدرات دول الخليج لأهلها، فهم أولى بها من الغريب الذي بات يستولي على خيرات أوطاننا، ومن هنا وجب على جميع دول الخليج العربي أن تنتبه وتعي الدروس التي أمامها قبل فوات الأوان، من خلال وضع استراتيجيات وقوانين وحلول ناجعة للسيطرة على القوى العاملة الوافدة، والاستفادة ممن تحتاجه فقط، وإفراد الفرص الوظيفية لأبناء المجلس بعد أن أصبحوا خريجين في مختلف المجالات، مع ضرورة تقليص أعداد الوافدين فورًا وبصورة عاجلة حتى لا تتفاقم الظواهر والأزمات، وتبقى الأوطان سالمة من كل سوء.

فاللهم احفظ أوطاننا، وأعز سلاطيننا وملوكنا وأمراءنا، واجعل أوطاننا آمنة مطمئنة.

الأكثر قراءة