أين التفكر فيما يحدث في غزة؟

 

 

 

د. علي بن حمد المسلمي

aha.1970@hotmail.com

يقول الله سبحانه وتعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ"، من منطلق هذه الآية الكريمة، وفي ظل الضعف والوهن الذي أصاب الأمة العربية والإسلامية، وخاصة البلدان العربية مثل: لبنان، والعراق، واليمن، والصومال، وليبيا، والسودان، وفلسطين المحتلة؛ لَحَريٌّ النظرُ بعين الفكر والاعتبار، وجلْدُ الذات في مجريات الأحداث وما يحيق بالأمتين العربية والإسلامية من مخططات جهنمية تؤتي أُكلها على الأخضر واليابس.

ودليل ذلك ما يحدث في غزة الآن من إبادة جماعية ومجاعة ممنهجة باعتراف منظمة الأمم المتحدة، في ظل الصمت المطبق الذي أصاب الدول العربية والإسلامية، ما عدا العاطفة التي تتغلب علينا كشعوب وحكومات: الشجب، والندب، واللطم على الخدود، وكسر الحصار، وإنكار من القلب. هذا لا يكفي؛ بل يتطلب منا أن نُمعن النظر ونتفكر ونتدبر في الأمر، وخاصة في ظل النظرة العميقة التي ينظر بها الصهاينة في تحقيق حلمهم الكبير: إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.

وكذلك مساندة القوى الكبرى لهذا الكيان، وإمداده بالمال والسلاح، وتواطؤ بعض أبناء جلدتنا في دعم هذا الكيان السرطاني كما قال الإمام الخميني -رحمه الله- في وصفه.

ومن خلال ذلك، علينا أولًا وقبل كل شيء، الوعيُ العربي والإسلامي الجمعي بما يحدث ويدور حولنا، عن طريق بث الوعي الثقافي الجمعي من قبل العلماء والمفكرين في الجامعات، ودور العبادة، والمؤسسات العسكرية والتعليمية والتربوية، وتبصير القادة من باب "الدين النصيحة" لأئمة المسلمين وعامتهم، مصداقًا لقول سيد البرية: "عن أبي رُقَيّة تميم بن أوس الدَّاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة. قلنا: لِمَن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم".

وتاليها أن نُمعن النظر فيما أخفقت فيه المؤسسات الدولية المرموقة، كمنظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، والمحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، والعجز الحاصل رغم القرارات النافذة لها، إلا أنها عجزت عن التنفيذ في ظل قوى الاستكبار العالمي، والتي كانت قوى المقاومة تردد ذلك، ولكن لا مجيب ولا سميع ولا تمحيص للأمور. مما يتطلب النظر في جامعتنا العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وإعادة تكوينها في ظل القوى البشرية الهائلة التي يحظى بها عالمنا العربي والإسلامي، لتكون قراراتها نافذة في ظل أرضية صلبة. وهذا لا يتأتى إلا من خلال إرادة سياسية صلبة، وإصلاح جذري، عبر تكوين مجلس أمن خاص بالدول العربية والإسلامية، ومنظمة جنائية وعدلية عربية وإسلامية؛ لفض النزاعات وتسوية الخلافات بالطرق السلمية والقانونية، والوقوف ضد الفئة الباغية حتى تعود إلى رشدها وتفيء لأمر الله، مصداقًا لقوله تعالى: "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا".

وأيضًا نتعلم ونستفيد مما يدور حولنا في العالم، والبعض مشارك في ذلك ويدعم الاحتلال؛ من خلال ما نسمعه ونقرأه في وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما نشاهده في التلفاز، أو ما يعترف به الصهاينة أنفسهم في تقوية اقتصاد الدولة المهووسة بالقتل والدمار، وتعويض خسائرها الاقتصادية خلال حربها مع غزة الآن، من خلال ربطها بممرات برية وبحرية معروفة للقاصي والداني، في ظل الدعم الذي يتلقاه أهل غزة من قبل الحوثيين في اليمن، بمنع الملاحة في مضيق باب المندب للكيان الغاصب ومن شايعه، نصرهم الله وأعزهم أنصار الله، فقد كانت قبيلتا الأوس والخزرج اليمنيتان ناصرتَين لدين الله. كما في الحديث المروي عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم عقب معركة بدر: "فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شعبًا وسلكت الأنصار شعبًا لسلكت شعب الأنصار. اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار".

إن تقوية الاقتصاد العربي والإسلامي عن طريق التكامل الاقتصادي بإنشاء سوق عربية إسلامية مشتركة أمرٌ ملح؛ لا سيما أن هذه الدول تمتلك مخزونًا بشريًا وموارد اقتصادية تجعلها قوة اقتصادية كبيرة تضاهي اقتصاديات الدول المتقدمة مثل: الصين، والولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوروبية، وروسيا.

والأمر الآخر: التقدم العلمي والتكنولوجي والتقني، الذي أضحى المضمار الواسع الذي تتنافس عليه الدول وتستقطبه؛ لتستفيد منه وتوظفه في مختلف المجالات الإنسانية، لا سيما ما كشفت عنه الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، التي استمرت اثني عشر يومًا، والتي كشفت عن المعاهد العلمية في إسرائيل مثل معهد وايزمان، وأيضًا الصواريخ والمسيرات والقبة الحديدية ومقلاع داود ومنظومة "ثاد" الأمريكية، وكذلك تفجير البيجرات أثناء حرب المقاومة في لبنان، والطائرات المتقدمة التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية في ضرب المنشآت النووية الإيرانية "B-2 سبيريت".

وهذا لا يتحقق إلا إذا تدبرنا قوله تعالى: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ".

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة