السكن في الجبل والحفاظ على الهوية

 

 

علي العايل

 

إن الجبل ليس مجرد تضاريس أو مساحات خضراء، بل هو بيتٌ للإنسان، وموئلٌ للماشية، ومهدُ إرثٍ عريقٍ حفظته الأجيال عبر القرون. فهو تاريخ وهوية وخصوصية، وهو سكن ريفي حافظ على أصالته، وكان على مرّ الزمن مصدر رزق وعيش كريم، ليس لسكان الجبل وحدهم، بل لسكان الحواضر على امتداد ساحل ظفار.

ومن هنا فإننا نعبر عن قلقنا العميق مما يحمله الدليل التنموي الأخير من احتمالات تُثير المخاوف لدى المواطنين، إذ يُخشى أن يتحوّل من مرجع يُعزّز التنمية إلى وسيلة تُفتح عبرها الأبواب لشهوات المتنفذين، فيُفرَّغ الجبل من روحه ومكانته التاريخية والعرفية، ويُدفع سكانه دفعًا نحو النزوح دون رغبتهم إلى السكن الحضري.

لقد علّمنا التاريخ القريب أن الأرض حين تُستباح تُفقد قيمتها، كما حدث في السهل الذي كان يومًا ميدانًا للرعي والسياحة، فأصبح اليوم أرضًا جرداء لا تُغني ولا تُسمن. والخوف كل الخوف أن يُكتب للجبل المصير ذاته، فيُترك خاليًا من سكانه الأصليين، وتُقتلع معه العادات والتقاليد والقيم التي شكّلت هوية الإنسان والمكان.

إن الدعوة إلى الحفاظ على المكون الريفي ليست مجرد حنين إلى الماضي، بل هي حماية للأرض والهوية والإرث والسكن والإنسان. فما قيمة التنمية إن كانت تعني أن يتحوّل كل شيء إلى جدران خرسانية صامتة، يُحاصر فيها الإنسان فلا يرى إلا عتمة الإسمنت، ولا يتنفس إلا ما فرضته الصناعات الحديثة من تهوية وإضاءة مصطنعة؟ عندها تفقد الهوية معناها، ويُفرغ الإنسان من جوهره، وتُمحى ذاكرة المكان.

وعليه، فإننا نهيب بالمسؤولين وصانعي القرار أن يتقوا الله في هذا الجبل وأهله، وأن يضعوا نصب أعينهم أن الجبل أمانة، والأمانة مسؤولية، ومن يفرّط في الأمانة يفرّط في الوطن كله.

من هنا فإننا نقترح على أقل تقدير مراعاة النقاط التالية:

1. حماية المراعي والبيئة الجبلية من أي استغلال غير مسؤول يهدد استدامته.

2. صون خصوصية السكن الريفي باعتباره جزءًا أصيلًا من الهوية والتاريخ.

3. منع الاستيلاء على الأراضي الجبلية تحت أي ذريعة لا تراعي الإنسان والبيئة.

4. إشراك المجتمع المحلي في صنع القرار المتعلق بالجبل، باعتباره الأقدر على معرفة احتياجاته وخصوصيته.

5. وضع تشريعات صارمة تكفل حماية الجبل وأهله وثروته الحيوانية من أي عبث أو تجاوز.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة