علي العايل
القبيلة ليست مجرد موروث اجتماعي؛ بل هي كيان أصيل سبق نشوء الدولة الحديثة وأسهم في تأسيسها وبقائها. ومنذ القدم شكّلت القبيلة العمود الفقري للمجتمع العربي، وبقيت عنصرًا رئيسيًا في بنية الدولة، خصوصًا في مجتمعات الخليج العربي ومنها سلطنة عُمان.
إن الانتماء القبلي ليس تعصبًا ولا تطرفًا كما يحاول البعض تصويره؛ بل هو رابط أصيل يعزز روح الوحدة ويضمن تماسك المجتمع؛ فالقبائل قبل قيام الدولة كانت تعيش وفق أعرافها وتقاليدها، ضامنةً التعايش المشترك والتكافؤ بين أفرادها، وهو ما مكّنها من مواجهة التحديات عبر التاريخ. واليوم، ومع نشوء الدولة الحديثة وتطور مؤسساتها، تكيّفت القبيلة مع هذا التحول؛ حيث استوعبت قيم المواطنة وحداثة النظام السياسي، دون أن تتخلى عن أعرافها وتقاليدها التي لم تتعارض مع توجه الدولة، بل كانت سندًا لها.
ومع أهمية دور القبيلة في تعزيز الوحدة الوطنية، إلّا أنه ينبغي ألا تُستخدم كوسيلة للاستقواء على غيرها من القبائل أو على الدولة ذاتها. فأبناء القبيلة، قبل كل شيء، مواطنون يخضعون لأنظمة الدولة وقوانينها، ولا يعلو أحد على سلطة القانون. ومن الخطأ أن تستعرض أي قبيلة قوتها بعدد أفرادها لاستفزاز الآخرين، أو للضغط على الدولة لأي سبب كان، كما لا يجوز أن يكون الانتماء القبلي مظلةً للإفلات من العقاب حين يخطئ أحد أفرادها.
العدالة الحقيقية تكمُن في أن يُدرك كل فرد، أيًا كان انتماؤه القبلي، أن العقوبة ستطاله إن تجاوز القانون؛ سواء ارتكب خطأ بحق فرد من المجتمع أو بحق الدولة. فلا أحد، مهما كان شأن قبيلته أو مكانتها، فوق القانون؛ فالكل سواء في نظره بحكم المواطنة.
وإننا حين ندعو إلى تعزيز أدوار القبيلة، لا ندعو إلى العصبية المذمومة؛ بل إلى الحفاظ على هذا المُكوِّن الحيوي الذي يشكل صمام أمان للوحدة الوطنية، ويعزز مفهوم المواطنة من خلال تكامل الأدوار بين القبيلة والدولة. فالدولة الحديثة بحاجة إلى مؤسساتها الرسمية، كما هي بحاجة إلى نسيجها الاجتماعي المتجذر الذي يمثله الانتماء القبلي.
ويكفينا أن نستشهد بقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13].
القبيلة ليست نقيضًا للدولة؛ بل أصلها ومُكمِّلها؛ فبدون القبيلة ما كان مجتمعٌ، وبدون المجتمع ما قامت دولةٌ. وعليه، فإنَّ الحفاظ على دور القبيلة في ظل دولة عصرية متطورة، مع التأكيد على خضوع الجميع لسلطة القانون، هو الضمانة لاستمرار الوحدة الوطنية، وهو الطريق الآمن نحو مستقبل متماسك يوازن بين الأصالة والحداثة.
ولكي تبقى القبيلة صمام أمان حقيقي، لا بُد من:
1. تعزيز الشراكة بين القبيلة ومؤسسات الدولة في المجالات الاجتماعية والتنموية.
2. دعم الأعراف والتقاليد الإيجابية التي تعزز التماسك، ومحاربة الممارسات السلبية التي تسيء إلى صورة القبيلة.
3. إشراك الشباب من أبناء القبائل في المشاريع الوطنية، لربطهم بجذورهم وهويتهم مع الانفتاح على المستقبل.
4. فتح قنوات تواصل مستمرة بين الدولة وشيوخ وأعيان القبائل، بما يعزز الثقة والتعاون المتبادل.
بهذا التكامل، تظل القبيلة حاضنة للقيم، وتظل الدولة المظلة الجامعة للجميع، في وحدة وطنية راسخة تعبر بالمجتمع نحو غدٍ أكثر قوة واستقرارًا.