رؤية مستقبلية للاستثمار بين عُمان والسودان

 

 

د. طارق عشيري

 

في ظل التحولات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، تبرز الشراكات الاستراتيجية بين الدول كأحد أهم أدوات تحقيق النمو المستدام وضمان الأمن الاقتصادي. ويأتي الاستثمار المشترك بين السودان وسلطنة عُمان كفرصة واعدة تمتلك أبعادًا مستقبلية عميقة، تستند إلى ما يتمتع به السودان من موارد طبيعية هائلة وأراضٍ خصبة وموقع جغرافي استراتيجي يربط إفريقيا بالشرق الأوسط، وما تمتاز به سلطنة عُمان من خبرات استثمارية، واستقرار سياسي، ورؤية اقتصادية متقدمة تعمل علي الجمع بين القدرات السودانية والفرص العُمانية  التي لا  تقتصر  على تحقيق المكاسب الاقتصادية فحسب؛ بل يشمل أيضًا بناء نموذج تعاون تنموي متكامل، يفتح آفاقًا جديدة للتبادل التجاري، والأمن الغذائي، والتكامل اللوجستي، ويعزز الدور الإقليمي لكلا البلدين في رسم خريطة الاستثمار المستقبلية.

وفي ظل التحولات الاقتصادية العالمية المتسارعة، أصبح الاستثمار بين الدول خيارًا ضروريًا وليس ترفًا؛ فالسودان بموارده الطبيعية والزراعية والمعدنية الضخمة، وسلطنة عُمان بموقعها البحري المتميز، واستقرارها السياسي، ورؤيتها الطموحة "عُمان 2040"، يمتلكان مقومات فريدة لبناء تعاون استثماري طويل الأمد؛ وهذا التعاون يمكن أن يتحول إلى جسر اقتصادي يربط الخليج العربي بالقارة الإفريقية، ويوفر للبلدين مكاسب اقتصادية وجيوسياسية كبيرة في المستقبل؛ حيث الموارد السودانية  الضخمة؛ مما تتيح للسلطنة فرص الاستفادة منها فالسودان يملك أكثر من 200 مليون فدان صالحة للزراعة، منها نسبة كبيرة غير مستغلة. يمكن لعُمان عبر الاستثمار المباشر أو الشراكات الزراعية أن توفر أمنًا غذائيًا طويل المدى، خاصة في محاصيل القمح، الذرة، الأعلاف، والخضروات.

والسودان يمتلك أكثر من 100 مليون رأس من الماشية، ما يتيح تزويد السوق العُماني باللحوم الطازجة والمبردة، مع إمكانية إنشاء مسالخ حديثة في مناطق الإنتاج، أمَّ في مجال المعادن فهناك الذهب والنحاس والكروم والفوسفات، هذه الموارد يمكن أن تدعم الصناعات العُمانية خاصة في مجالات التعدين والطاقة المتجددة وصناعة المجوهرات، فضلا عن أن سواحل السودان على البحر الأحمر توفر فرصًا لتصدير الأسماك والمنتجات البحرية إلى عُمان، خاصة مع وجود طلب متزايد في السوق العُماني.

أمّا عن البعد الاقتصادي المستقبلي فإن تنويع مصادر التوريد سيقلل الاعتماد على الأسواق التقليدية ويؤمّن الإمدادات حتى في الأزمات، ثم الاستثمار في الصناعات التحويلية بالسودان قبل التصدير يزيد من الأرباح ويخلق وظائف، وهناك إمكانية التوسع في الاستثمارات المشتركة مما يمكن توجيه الإنتاج ليس فقط للسوق العُماني والسوداني، بل أيضًا لأسواق الخليج وشرق إفريقيا.

أما الحديث عن البعد الجيوسياسي والموقع الاستراتيجي، فإنشاء خط شحن مباشر بين ميناء بورتسودان وموانئ عُمان (صلالة – الدقم – صحار) سيجعل السلطنة بوابة للمنتجات السودانية إلى آسيا، ويجعل السودان بوابة لعُمان نحو إفريقيا، وسيعمل علي تعزيز العمق الإفريقي لعُمان وتوسيع الوجود الاستثماري العُماني في السودان يمنح السلطنة نفوذًا اقتصاديًا في شرق ووسط إفريقيا، ويعزز مكانتها كمركز لوجستي في المحيط الهندي، وأهم من كل ذلك إحداث توازن اقليمي حيث استثمار عُمان في السودان يخلق توازنًا مع النفوذ الاقتصادي لبعض القوى الإقليمية في إفريقيا.

وعلى الرغم من كل تم ذكره وتطلعات كاتب المقال في البُعد المستقبلي إلّا أن هناك أيضًا تحديات محتملة وهي منطقية نذكر، منها: عدم الاستقرار السياسي في السودان وهذا يتطلب ضمانات استثمارية قوية، وضعف البنية التحتية خاصة بعد حرب الكرامة، ما يستلزم استثمارًا موازيًا في الموانئ، والطرق، والطاقة. والسودان قادر على إنجاز ذلك. ومن التحديات أيضا ضرورة توفير آليات دفع آمنة وسريعة بعيدًا عن العقوبات أو تعقيدات التحويلات البنكية.

وكل ذلك يمكن أن يتم بضمان الحلول العملية على أرض الواقع من خلال:

•        إنشاء مجلس أعمال سوداني عُماني دائم.

•        توقيع اتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمار.

•        تفعيل مشاريع الزراعة التعاقدية لصالح السوق العُماني.

•        تطوير خطوط شحن مباشرة بين البلدين.

•        إقامة مناطق لوجستية مشتركة في الموانئ.

وأخيرًا أقول.. إن الاستثمار بين السودان وسلطنة عُمان ليس مجرد علاقة اقتصادية قصيرة المدى؛ بل هو مشروع استراتيجي يمكن أن يعيد رسم الخريطة التجارية بين الخليج وإفريقيا، وهذه الشراكة، إذا أُديرت برؤية واضحة، يمكن أن تحقق الأمن الغذائي والصناعي لكلا البلدين، وتخلق فرصًا اقتصادية مستدامة، وتمنحهما موقعًا مؤثرًا في النظام التجاري الإقليمي والدولي خلال العقود المُقبلة.

** أكاديمي سوداني في عُمان

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة