شريعة الكلاب في غزة

حمد الناصري

قبل عام من هذا التاريخ، نشر الكاتب الفلسطيني حامد عاشور، المقيم في غزة، وأعاد القصة في 16 يوليو 2025، كمحتوى إبداعي مرفقًا بها صورتان له ولكلبه الوفي في خيمة نزوح في غزة، وكتب:

"نشرت قبل عام قصتي مع هذا الكلب، الصديق للإنسان، ويا له من كلب محظوظ.. فقد تصدّرت قصته عناوين مجلات عربية وعالمية، وقرأها أكثر من خمسة ملايين إنسان حول العالم.. وتُرجمت قصته إلى سبع لغات مختلفة.. وقد تواصلت معي جمعية رعاية الحيوان في العاصمة الإيرلندية، دبلن. وكان محور الاتصال هو الاطمئنان على صحة الكلب، وطلبوا مني صورًا للخيمة التي يعيش فيها ويحرسها الكلب.. وصورة تجمعني مع الكلب المحظوظ.. ووصل الأمر أنهم بحثوا معي، وبكل جدية، إجلاء الكلب إلى خارج قطاع غزة عبر مؤسسات رديفة، ذات صلة بالحيوان "الكلب" طبعًا، خوفًا على حياة الكلب!!!"

وهنا تكمن المفارقة المبكية: فبينما يجوع مليونا فلسطيني حتى الموت، ويُقتل 60 ألفًا منهم، منهم 20 ألف طفل، في مخيمات اللاجئين والمستشفيات، ومعاناة كارثية بكل معنى الكلمة للأطفال الرضع والمرضى، لا أحد يذكرهم أو يتفاعل معهم من "جمعيات الرفق بالإنسان".

هذا العالم الذي نعيش فيه، والذي صدّع رؤوسنا بحقوق الحيوان والنبات، عنده حياة كلب ورفاهيته أهم من أرواح مليوني إنسان فلسطيني.

وقد علّق الكاتب حامد عاشور: وبينما لم يُشِر إليّ أحد، أنا الذي كنت أعيش في خيمة لا تصلح لأن يعيش فيها كلب."

فيما تواصل دولة الإرهاب إسرائيل مجازرها أمام أعين الناس، وتفتك بالأطفال والنساء داخل الخيام، وكأن التجويع حتى الموت لا يُرضي قادتها السفاحين، وتتحدى العالم الساكت، وبغطاء ودعم أمريكيين.

وفي مفارقة أقل غرابة وقد تكون متوقعة، اعتذر نتنياهو عن قصف جيشه لكنيسة العائلة المقدسة الكاثوليكية في مدينة غزة، يوم الخميس 17 يوليو 2025، وقد أثار القصف الإسرائيلي استنكارًا واسعًا من دول العالم ومن جهات دينية أخرى وكاثوليكية.

وطالبت تلك الدول -وكأنها صَحَت من غفوتها الإنسانية والأخلاقية- بتحقيق عاجل ووقف الانتهاكات بحق دور العبادة والمدنيين، متناسية أن إسرائيل قصفت ودمرت المئات من المساجد في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، ولم تُحرّك تلك العمليات الإجرامية حتى العالم الإسلامي.

فقد هُدم مسجد الأمين محمد في خان يونس في 20 أكتوبر 2023، ودُمّر المسجد الغربي في غزة بالكامل في 9 أكتوبر 2023، وفي اليوم نفسه مسجد سعد بن أبي وقاص، ثم تلاه مسجد يافا في دير البلح في ديسمبر 2023، ودُمرت مساجد أخرى كثيرة... فأين هي الضمائر الإنسانية؟ وأين مواقف الدول الكبرى الإسلامية المعنية؟

وقد وثقت وزارة الأوقاف في غزة تدمير 966 مسجدًا بشكل كلي أو جزئي، ولم تُقابل هذه الانتهاكات بأي انتقادات دولية.

خلاصة القول: إن الشلل الذي وصلت إليه ضمائر وأخلاق وإنسانية دول العالم، وفي مقدمتها الدول الإسلامية، غير مسبوق وخطير.
والاستهانة بأرواح ملايين البشر تدل على أن الإنسانية فعلًا وصلت إلى الدرك الأسفل من الحضيض.

وأما الكيل بميزانين تجاه دور العبادة، فهو فضيحة كبرى لكل الدول التي تتشدق بالعلمانية والتحضر.

وحتى نظرة الناس للكنيسة بأنها ملاذ آمن وتؤوي عائلات نازحة، هي نظرة أثبتت خطأها، لأن الصهاينة لا حرمة عندهم لبيوت الله، وأنهم مخلوقات بأذنٍ صمّاء، وعينٍ لا تُبصر.

وإقدام نتنياهو على المضي في إزهاق أرواح الأبرياء، غير عابئ بأي قانون دولي أو إنساني، والأدهى والأمر من ذلك كله، هو تعاطف دول ومنظمات مع كلب، وتجاهلهم المطلق للبشر.

فمن يوقف هذا الجنون والوحشية؟ وإلى متى تستمر المذبحة؟
أليس في هذا العالم رجل رشيد؟

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة