من نتائج الدبلوم العام إلى مستقبل واعد.. مرحلة جديدة من التحدي والطموح

د. أحمد بن موسى البلوشي

مع إعلان نتائج دبلوم التعليم العام، تعلو مشاعر الفرح والإنجاز بين الطلبة والطالبات، حيث تُكلَّل أعوام من الجد والاجتهاد، والسهر والتحديات، بتحقيق ثمرة النجاح والتفوق، إنها لحظة استثنائية تختلط فيها مشاعر الفخر بما تحقق، بالأمل فيما هو قادم، ويتردد في أروقة المنازل صوت الدعاء، وتتبادل الأسر عبارات التهاني والتبريكات، احتفالًا بجني ثمار سنوات من العمل الدؤوب والمثابرة.

فلكل طالب نجح اليوم قصة تعب وكفاح، ولكل أسرة وقفت خلفه دور في هذا الإنجاز، ولكل معلم ومعلمة أسهموا في دعمه وتوجيهه، بصمة لا تُنسى. إنها ليست مجرد نتائج، بل شهادة على عزيمة جيل يسعى لبناء مستقبله بإصرار، ويتهيأ الآن لعبور مرحلة جديدة من حياته، أكثر نضجًا، وأكبر مسؤولية، وفي هذه اللحظة الفارقة، لا يُعد النجاح في مرحلة الدبلوم العام مجرد رقم في كشف الدرجات، بل هو نقطة انطلاق نحو آفاق أوسع وأرحب، ومفتاح لباب واسع يُفتح أمام الطالب ليطلّ من خلاله على خيارات متعددة وتحديات جديدة، سواء في التعليم العالي أو التدريب المهني أو مجالات الريادة والابتكار، حيث تبدأ رحلة جديدة تتطلب وعيًا وتخطيطًا دقيقًا وحسن اختيار، بما يتناسب مع طموحات الطالب وميوله وقدراته، وبما ينسجم في الوقت ذاته مع متطلبات سوق العمل وأولويات التنمية الوطنية في ظل رؤية "عُمان 2040"، ليغادر بذلك مقاعد المدرسة إلى عوالم أرحب من التعلّم والتخصص والإبداع، حيث تُبنى الطموحات وتُصقل المهارات وتتجلى ملامح المستقبل.

على الطلبة أن يدركوا أن الخيارات أمامهم كثيرة ومتنوعة، وأن اتخاذ القرار المناسب هو مسؤولية تتطلب التأني والاستشارة، ومن المهم استغلال منصات القبول الموحد، والتعرف على التخصصات، ومعدلات القبول، وآليات التقديم، وكل ما يتعلق بالمؤسسات التعليمية داخل وخارج عُمان. على الطلاب والطالبات في هذه المرحلة المفصلية أن يدركوا أن الخيارات الأكاديمية والمهنية أمامهم كثيرة ومتنوعة، وتشمل مؤسسات التعليم العالي داخل عُمان وخارجها، والبعثات والمنح الدراسية، والبرامج التخصصية والتقنية، إلى جانب مسارات التدريب المهني والريادة والابتكار. وهنا تبرز أهمية الوعي الذاتي، وفهم الطالب لقدراته وميوله، وعدم الانسياق وراء اختيارات الآخرين أو ضغط المجتمع، فكل طالب له مساره الفريد الذي يتوافق مع طموحاته وأهدافه.

إن اتخاذ القرار المناسب بشأن التخصص أو المؤسسة التعليمية ليس بالأمر السهل، بل هو مسؤولية كبيرة تتطلب التأني، والتفكير العميق، والرجوع إلى مصادر موثوقة في الاستشارة، سواء من أولياء الأمور، أو المعلمين، أو المختصين في التوجيه المهني. كما أن استثمار الأدوات الإلكترونية المتاحة، وعلى رأسها بوابة القبول الموحد، يُعد أمرًا حاسمًا، إذ توفر هذه المنصة الرسمية معلومات وبيانات دقيقة ومحدثة عن مؤسسات التعليم العالي، والتخصصات المتاحة، وشروط ومعدلات القبول، والمواعيد المحددة للتسجيل والترتيب والرغبات، وآلية المفاضلة بين المتقدمين.

ومن الأهمية بمكان أن يكون الطالب على دراية بكافة التفاصيل الفنية المتعلقة بعملية التسجيل، وأن يتابع مستجدات القبول والتعديلات المحتملة أولًا بأول، وأن يُحسن ترتيب خياراته وفقًا لأولوياته الحقيقية، لا وفقًا لما هو شائع فقط. كما يجب أن يُدرك أن التخطيط الجيد اليوم سيؤثر بشكل مباشر على مستقبله العلمي والمهني، وأن الاختيار الصحيح في هذه المرحلة سيفتح أمامه آفاقًا واسعة لتحقيق طموحه والمساهمة الفاعلة في خدمة وطنه.

نبارك لكل طلبة عُمان هذا الإنجاز الكبير، وندعوكم إلى عدم التوقف عند محطة النجاح الأولى، بل اجعلوها حافزًا لبذل مزيد من الجهد في المرحلة المقبلة. اختاروا ما تحبون، واصنعوا مستقبلكم بأيديكم، ولا تنسوا أن الإصرار والعزيمة هما مفتاحا التميز الحقيقي، وأن الوطن ينتظر منكم الكثير. كونوا طموحين، واسعوا لتطوير أنفسكم علميًا ومهنيًا، واغتنموا الفرص التي تتيحها لكم الدولة من منح، وبرامج تأهيلية، ومؤسسات أكاديمية مرموقة، ولا تستهينوا بأهمية التدريب والتطوع واكتساب المهارات التي تصنع الفارق في سوق العمل.

أولياء الأمور هم شركاء هذا النجاح، وأساسه المتين، وفي هذه المرحلة الحساسة، يحتاج الأبناء إلى توجيهكم ودعمكم النفسي والمعنوي. ثقوا باختياراتهم، وساندوهم في استكشاف ميولهم، وشجعوهم على اتخاذ قرارات مسؤولة ومدروسة. احرصوا على الحوار المفتوح مع أبنائكم، ووجهوهم نحو التخصصات التي تتماشى مع مستقبلهم واحتياجات وطنهم، دون ضغط أو إملاء، فالدعم الإيجابي هو وقودهم في رحلتهم القادمة.

النجاح لا يُقاس بالدرجات وحدها، بل يُقاس بالقدرة على تحويل هذا النجاح إلى إنجازات واقعية تخدم الإنسان والوطن. فلنغرس في أبنائنا الثقة بأنهم قادرون على صناعة مستقبلهم، ولنبني معهم جيلًا يرفع راية الوطن عاليًا بعلمه وأخلاقه وعطائه.

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة