صلالة- منى العوائد
تتميّز سلطنة عُمان بتنوع طبيعي فريد يضم سواحل ممتدة، وجبالًا شاهقة، ووديانًا خضراء، وصحاري ذهبية، مما يجعلها من الدول الغنية بالمناظر الطبيعية الخلابة. وتُعد أشجار التين البري والتبلدي والنباتات المحلية المعمرة جزءًا أساسيًا من هذا التنوع البيئي، الذي يعكس التراث الطبيعي والبيئي للسلطنة.
ومع هذا الغنى البيئي، تواجه الاشجار المعمرة تحديات تهدد بقاءها، من أبرزها الإصابة بآفات مثل حفار الساق، التي تتطلب جهوداً مكثفة للحفاظ على البيئة الطبيعية لعمان. وتعتبر أشجار التين البري والتبلدي أكثر الأشجار المهددة بخطر الإصابة بحشرة حفار الساق (BATOCERA RUFOMACULATA)، وهي آفة تتسبب في أضرار كبيرة للساق والفروع، مما يؤدي إلى ضعف الشجرة أو موتها إذا لم تتم مكافحتها مبكرًا.
وتظهر علامات الإصابة من خلال نشارة خشبية على الجذوع، خروج صمغ من أماكن الضرر، تساقط الأوراق، وذبول الأغصان. ودعت الجهات المختصة إلى أهمية التعاون المجتمعي لحماية هذه الأشجار المعمرة، مؤكدين أن الحفاظ عليها مسؤولية الجميع.
وتسعى هيئة البيئة مع الجمعيات والفرق التطوعية للحد من انتشار حفار الساق، وفي هذا السياق، نظمت جمعية صون الطبيعة (قيد التأسيس) بالتعاون مع هيئة البيئة والفرق الخيرية والتطوعية في محافظة ظفار، حملات ميدانية واسعة لمكافحة آفة حفار الساق، في خطوة هامة لحماية البيئة والحفاظ على الغطاء النباتي في محافظة ظفار.
واستهدفت الحملة عدة مناطق متضررة من انتشار هذه الآفة، التي باتت تهدد الأشجار المحلية المعمرة وتؤثر على النظم البيئية الطبيعية، مما يسبب أضرار جسيمة تهدد التنوع البيولوجي الفريد في المحافظة.
وأكد علي سالم عكعاك من هيئة البيئة الأهمية البيئية لمحافظة ظفار، مشيرًا إلى أن "ظفار جنة الله في أرضه، وتُعد من آخر الغابات الاستوائية المتفردة والمتميزة في شبه الجزيرة العربية، حيث يقصدها عشاق الطبيعة وعلماء النبات من جميع أنحاء العالم لمعاينة الأنواع النباتية النادرة والمتفردة على مستوى المنطقة".
وأضاف "ظفار تمتاز بغطاء نباتي كثيف، وقد وصل توثيق النباتات فيها إلى أكثر من ١٤٥٤ نوعًا نباتيًا في السلطنة، منها نحو ٧٠ نوعًا نادرًا لا توجد إلا في ظفار، مما يجعلها مرجعًا علميًا هامًا لدراسة النباتات المتفردة".
وأكد عكعاك أن العقود الأخيرة شهدت خللًا في التوازن البيئي نتيجة جفاف الأمطار والتصحر، مما أدى إلى تناقص الغطاء النباتي على امتداد جبال ظفار، موضحا: "هذا التدهور ساهم في تفشي الآفات الحشرية الضارة، ومن أبرزها حشرة حفار الساق Batocera rufomaculata التي استهدفت أشجار التين البري (الغيضيت) وأشجار الطيق، كما أن الحشرة البالغة تضع بيضها أسفل الجذع، حيث تفقس البيوض وتتحول إلى يرقات تحفر داخل الجذوع لمدة تصل إلى ١٢٠ يومًا قبل أن تتحول إلى حشرة بالغة وتعيد دورة حياتها، مما يسبب أضرارًا جسيمة للأشجار".
من جانب آخر، أشار الشيخ ناصر بن علي هبيس عضو مجلس إدارة جمعية صون الطبيعة بظفار (قيد التأسيس) ورئيس الفريق الإعلامي بالجمعية،إلى أهمية حماية البيئة عبر الحملات التطوعية والفقرات التوعوية التي يشارك فيها جميع أفراد المجتمع، مؤكدا أن التصدي للآفات التي تصيب الأشجار المحلية المعمرة، مثل حفار الساق والرمة، سيساهم في إعادة البيئة إلى طبيعتها.
وفي هذا الإطار، تقدمت الجمعية بوافر الشكر والتقدير لجميع الجهات الحكومية والخاصة، والفرق التطوعية، والأفراد، لما بذلوه من جهود مخلصة وتكاتف واضح في سبيل حماية البيئة.
وأوضح المهندس خالد محمد بن فضل الله تبوك، من فريق قيرون حيرتي التطوع، أن هذه الحملات جاءت استجابة لتزايد انتشار آفة حفار الساق، قائلا: "الفرق الميدانية قامت بتنفيذ مسح شامل لرصد مناطق الإصابة. وقد ركزنا على استخدام أساليب مكافحة متوازنة تراعي البيئة الطبيعية لضمان تقليل الأضرار البيئية الناتجة عن عمليات المكافحة".
وأضاف: "هذه الجهود تأتي ضمن خطة متكاملة تهدف إلى حماية التنوع البيولوجي وتعزيز استدامة الغطاء النباتي في المحافظة، وهو ما يعد أمرًا بالغ الأهمية في المرحلة الراهنة".
وأشاد المتطوع محاد سعيد العوائد، عضو فريق طاقة الخيري، بهذه الحملات الميدانية والجهود المبذولة ودور العمل المجتمعي في تحقيق أهدافها، موضحا: "مكافحة الآفات البيئية مثل حفار الساق تتطلب جهودًا منظمة ومستمرة، ولا يمكن لأي جهة بمفردها أن تتصدى لهذه التحديات دون دعم وتعاون الجميع، وما تحقق خلال الحملة من نتائج ملموسة يعكس بوضوح قوة العمل التكاملي بين المؤسسات الحكومية والفرق التطوعية والمجتمع المحلي".
وأكد العوائد أن مثل هذه الحملات لا تقتصر فوائدها على حماية الأشجار فحسب، بل تسهم أيضًا في تعزيز الوعي البيئي ونشر ثقافة المسؤولية المجتمعية. وختم تصريحه قائلاً، "إن البيئة ثروة وطنية، وحمايتها مسؤولية مشتركة، وكل فرد له دور مهم في صونها للأجيال القادمة".
ويظل الحفاظ على الغطاء النباتي وصون التنوع البيولوجي مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية على حد سواء. وتمثل المبادرات البيئية، مثل هذه الحملات الميدانية، خطوة محورية نحو تعزيز الوعي البيئي وترسيخ ممارسات الاستدامة. كما تسهم هذه الجهود في بناء مستقبل أكثر ازدهارًا وصحة، يضمن بيئة متوازنة للأجيال القادمة، مما يعزز من مكانة المحافظة كوجهة طبيعية فريدة تجمع بين الجمال البيئي والأهمية البيولوجي.