حمود بن سعيد البطاشي
في ظل ما تشهده سلطنة عُمان من تحوّلات اقتصادية وإدارية، وما تبذله الحكومة من جهود في سبيل توظيف الشباب وتقليص أعداد الباحثين عن عمل، تبقى بعض الملفات العالقة بحاجة إلى جرأة في الطرح والمعالجة، ومن أبرز هذه الملفات، استمرار عدد من المستشارين في المؤسسات الحكومية، ممن تجاوزوا سن الستين، في مواقعهم دون وجود أثر حقيقي أو قيمة مضافة تبرر بقاءهم.
إن وجود المستشار في أي مؤسسة يُفترض أن يكون عنصر دعم وتوجيه، لا عبئًا إداريًا أو شكليًا. ولكن الواقع في بعض الوحدات الحكومية يُشير إلى أن من هؤلاء المستشارين لا يُستفاد منهم فعليًا؛ بل يقتصر دورهم في كثير من الأحيان على الحضور الاسمي، دون مساهمة ملموسة في اتخاذ القرار أو تطوير الأداء المؤسسي.
حين ننظر إلى حجم الطاقات الوطنية الشابة، المؤهلة أكاديميًا ومهنيًا، والتي ما تزال على قوائم الانتظار، فإن التساؤل يصبح مشروعًا: لماذا لا تتم مراجعة أوضاع هؤلاء المستشارين؟ ولماذا لا يُحال غير الفعّال منهم إلى التقاعد لفتح شواغر جديدة؟
لا بُد أن نُدرك أن بقاء المستشار في موقعه يجب أن يكون قرارًا مبنيًا على حاجة حقيقية، لا مجرد عرف إداري موروث؛ فالوطن لا يحتاج فقط لمن شارك في بنائه سابقًا؛ بل لمن لا يزال قادرًا على الإضافة، والتطوير، ومواكبة متغيرات الزمن.
إننا لا ننكر أهمية الخبرة ولا نستخف بقيمتها؛ بل نُقدّرها ونجلّها، لكن ما نطرحه هنا هو التساؤل عن مدى فاعلية هؤلاء الذين تجاوزوا الستين، واستمرارهم في مواقعهم دون تقييم حقيقي؛ فالخبرة التي لا تُوظَّف ولا تُشارك ولا تُترجم إلى نتائج، تبقى مجرد رقم في كشف الرواتب، وأحيانًا عبئًا على المؤسسة.
الحكومة، في سعيها نحو الحوكمة الرشيدة وترشيد الإنفاق، مُطالَبةٌ بإعادة النظر في هذا الملف بجدية؛ فكل مستشار غير منتج، هو في الحقيقة يُغلق بابًا كان يمكن أن يُفتح أمام شاب عُماني متحمّس، ينتظر فرصته ليُثبت جدارته.
أضف إلى ذلك أن استمرار هذه المناصب الشرفية -إن صح التعبير- قد يُحدِث نوعًا من الإحباط لدى الموظفين الأصغر سنًا، ممن يرون أن الترقّي والتقدير لا يعتمد على الكفاءة والإنجاز؛ بل على البقاء في المنصب أطول فترة ممكنة.
نحن بحاجة إلى سياسات واضحة في تقييم دور المستشارين الحكوميين، وتحديد مدة معينة للاستشارة، يتم بعدها إما التمديد بناءً على تقارير أداء حقيقية، أو الإحالة إلى التقاعد وإتاحة الفرصة لغيرهم.
إنَّ التغيير لا يكون فقط بتعيين الشباب؛ بل أيضًا بتصفية المواقع التي أصبحت مجمّدة وغير منتجة. وإنَّ تطوير الأداء الحكومي يتطلب شجاعة في مراجعة الذات، وصدقًا في الاعتراف بالمواطن العُماني الشاب كأولوية، لا مجرد رقم في قائمة انتظار طويلة.