أنيسة الهوتية
عندما تكون في مجلسٍ يكثرُ فيهِ سفاسف الأمور واللغو، ضع في فمك ماءً واصمت في حال لم تستطع الخروج. وطبعًا، هذا تشبيه تمثيلي حتى يكون الشخص في وضعية صامتة مُطلقة، لأنَّ الإنسان يستطيع أن يتحدث وفي فمه طعام، ولكن ليس إن كان في فمه ماء!
والمشبه به في الصورة الحسية هو وضع الماء في الفم لجعل النطق مستحيلًا أو صعبًا للغاية. والمشبه هو (الحالة المجردة): الرغبة بالامتناع عن الكلام.
أما جملة (ضعوا في فمه حجرا) أو (ضع في فمك حجرا)، فتحمل دلالة أقوى على القمع القسري والعنيف للكلام، مع إيحاء بالإهانة والتجريد من الحق في التعبير.
ويستخدمه الأغلب في إسكات من يُبرر للظالم ويضع له شماعات يُعلق عليها كل أفعاله السيئة، ويحولها إلى ردَّات فعل بحجج واهية! كما يحصل تمامًا مع فلسطين حاليًا ولا يزال البعض يُبرر لدولة الصهاينة الظالمة الغاشمة بأنها لم تُعلن الحرب على فلسطين؛ بل على "حماس"!
وكما قال الأبطال سنقول: من يقول إنَّ جرائم الاحتلال الإسرائيلي سببها "حماس"، ضعوا بفمه حجراً.. لأنَّ الجرائم هذه بدأت من مجزرة حيفا في عام 1937م، وحركة حماس تأسست عام 1987م أي بعد خمسين عامًا من استمرار المجازر والجرائم الصهيونية! ومؤسسو حماس هم أبناء وأحفاد من استُشهِدوا في تلك المجازر دون وسيلة دفاع عن حالهم، ودون أن يُدافَع عنهم كذلك! وعندما رأوا أنهم لا أحد لهم في هذا الكون بدأوا يدافعون عن أنفسهم بالحجارة التي كانت من أنقاض بيوتهم، حتى أسسوا حركة حماس للمُقاومة والدفاع!
وهذا الأمر وارد في كل حدب وصوب، ولا يمنع أي إنسانٍ في هذا الكون أن يؤسس حركة للمقاومة ورفع الظلم عنه وعن أهله ووطنه، وفعلًا حصلت كثيرًا على مرِّ التاريخ وإن بدأنا بذكر الأسماء لن ننتهي ولن يكفينا خمسمائة كلمة لحصرها.
لأجل ذلك سنعود إلى قضية فلسطين التي يقف معها كل إنسانٍ لديه ضمير حي، وينسلخ منها كل إنسانٍ أعانه الله على ضميره الذي لازال نائمًا، وصحيح أن أصحاب الضمائر النائمة لا يقفون مع الصهاينة ولكنهم أيضاً لا يقفون مع فلسطين! وأبسط أشكال الوقوف معها هي مقاطعة المنتجات المساندة للكيان الصهيوني. وهنا تأتي الازدواجية وتلعب دورها في عقول هؤلاء المنسلخين وتجلب لهم شماعة مزينة للتبرير فيضعون عليها حججهم الواهنة ومنها بأن من يعمل في هذه المؤسسات يحصلون على راتب يعيلون به أهاليهم! فهل نقطع رزقهم؟
الأمر المضحك المبكي أنَّهم لا مشكلة لديهم في قصف الأطفال والنساء والبيوت، ولكن لديهم مشكلة في قطع رزق ثلة من البيوت إذا فقد شخص وظيفته بإغلاق الفرع الذي يعمل به! والواقع أنه كما قلنا مجرد تبرير وشماعة تُغطي على رغبته في شراء ما لا يستطيع هو مقاومته! لأن المؤمن الحق يؤمن بأنَّ الأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى، ومن ترك أمرًا لرضا الله أغناه الله بأضعاف ما تركه.
لكن، لا يزال هؤلاء في المنطقة البيضاء المتسخة المقاربة لحدود الرمادية، ولكن هناك من هم فعلًا مقاطعون لكل المنتجات الداعمة للكيان الصهيوني، وكل حساباتهم في منصات التواصل الاجتماعي ممتلئة بدعوات مقاطعة المنتجات الداعمة، والنصر لفلسطين إلّا أنهم في المنطقة "التشاركول غراي" أي الفحمي القريب للسواد؛ لأنهم عبروا مرحلة الازدواجية، والتناقض، والانفصام… وقبعوا في منطقة النفاق.
لأنَّ أعمالهم أسوأ من أعمال الصهاينة، فمنهم من يتعامل بالسحر للتفريق بين الأزواج، والخصومة بين الإخوة، وأكل مال اليتيم، وسلب الأموال والممتلكات، وكل ذلك في حق أقربائهم وأرحامهم، على الأقل الفلسطينيون أغراب عن الصهاينة وليسوا من دمهم ولحمهم.