د. سليمان المحذوري
استضافت سلطنة عُمان المحادثات الأمريكية الإيرانية يوم السبت الماضي بشأن برنامج إيراني النووي وملفات أخرى عالقة بين الطرفين تلافيًا للتصعيد في المنطقة التي نعيش فيها، والتي لا تحتمل مزيدًا من التوترات الإقليمية.
ورغم أنّ عُمان احتضنت سابقًا تلكم المحادثات في عام 2015 والتي توجت بالاتفاق النووي؛ إلا أنّه بعد مضي ثلاثة أعوام أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها من هذا الاتفاق؛ مما أجّج التوترات مجددًا بين الجانبين، وعودة فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية المرتبطة بالبرنامج النووي. ومنذ ذلك التوقيت وحتى اللحظة أصبحت منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن، وازدادت احتمالية انفجار الأوضاع فيها بسبب زيادة وتيرة السباق النووي خاصة بعد الظروف السياسية والعسكرية المُلتهبة في المنطقة.
بيد أنّ السؤال الجوهري والذي يفرض نفسه وبقوة لماذا تستضيف عُمان هذه المحادثات مجددًا؟ حقيقة لا مراء فيها أنّ عُمان تعي تموضعها الجغرافي جيدًا، وفي ذات الوقت تتكئ على إرثها التاريخي، وعمقها الحضاري وبالتالي تمثل هذه الأبعاد منطلقات أساسية في الدبلوماسية العُمانية. ولا ريب أنّ هذا الموقع كان سببًا رئيسًا لتنافس القوى الإمبريالية على مدار التاريخ لتجد لنفسها موطئ قدم للسيطرة على المنطقة ونهب ثرواتها. ومن جانب آخر ساعد الموقع على التأثير الواضح على الشخصية العُمانية فخلال آخر ثلاثة قرون زار عُمان العديد من الرحالة والدبلوماسيين والسياسيين الأجانب الذين وصفوا العُمانيين بالتسامح والمودة وكرم الضيافة.
وبحكم موقع عُمان الجغرافي تمثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية جارة شمالية لعُمان، وشرقية لدول الخليج العربية، وتعبر السفن من مختلف دول العالم قبالة المياه العُمانية وهي في طريقها إلى داخل الخليج العربي ذهابًا وإيابًا أو تلك المتجهة إلى الهند ودول جنوب شرق آسيا والصين. كما إنّ عُمان تُشرف على مضيق هرمز الذي يُعد واحدًا من أهم الممرات البحرية العالمية وبخاصة تصدير النفط الذي يشكل حوالي 40% من النفط العالمي. ونتيجة لذلك ومنذ القدم شهدت هذه المنطقة صراعات دولية متواصلة وما زالت، وإزاء ذلك كان لسلطنة عُمان مواقف إيجابية مستمرة في عدم الانخراط في أي نزاعات أو حروب هذا من جهة، ومن جهة أخرى السعي دائمًا لإطفاء الحرائق التي تشتعل بين فترة وأخرى، وإخماد أية توترات قد تنشأ في هذا الإقليم.
ويؤكد موقع "الحرة" الإخباري الأمريكي أن "عُمان تتمتع بمكانة فريدة باعتبارها وسيطًا موثوقًا ومحايدًا في أزمات الشرق الأوسط، وهذا الموقف الوسطي ينبع من أنها لا مواقف ضد إيران وفي الوقت ذاته لا تتفق كلية مع المواقف الأمريكية". بينما تقول هيئة الإذاعة البريطانية BBC عبر موقعها الإخباري إنّ لعُمان علاقات دبلوماسية جيدة، وتعتمد الحياد والمصداقية في تعاملاتها الدولية، إلى جانب الاستقرار السياسي الداخلي.
ومن هنا ورغم ما يُثار أحيانًا في بعض الوسائل الإعلامية من همز ولمز، واتهام الدبلوماسية العُمانية بميلها نحو الكفّة الإيرانية؛ إلا أنّه لا يصح إلا الصحيح في النهاية، والسياسة العُمانية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ومواقفها ثابتة لا تتزع قيد أنملة رغم العواصف السياسية، وبمرور الوقت تتبين صحة الرؤية العُمانية تجاه مختلف القضايا الإقليمية. وتأسيسًا على ذلك لا غرر أن تتجه الأنظار نحو كعبة السلام العاصمة العُمانية مسقط لاستضافة المفاوضات الأمريكية الإيرانية؛ إذ تبدو الثقة حاضرة في عُمان وحياديتها ونزاهتها من كلا الطرفين.
ومن المُؤمل أن تُفضي هذه المباحثات إلى نتائج إيجابية، وإيجاد حلول دائمة للملفات الشائكة حتى تنعم دول المنطقة بالأمن والاستقرار وهذا بطبيعة الحال سينعكس إيجابًا على الأمن والسلم العالمي.