منى بنت حمد البلوشية
منذ سنوات كنتُ أقرأ بجريدة عُمان ملحق مرايا الذي يصدر نهاية كل أسبوع حافل بالإنجازات والأعمال التي تم إنجازها، ومع بداية كل صباح أجد ذلك الملحق مع صحيفته الرسمية التي لا تخلو من الأخبار التي حدثت خلال اليوم الفائت وما قبله، وتلك الزاوية والعمود الذي عشقتُ قراءته لمدة سنوات حتى توقف كاتبه عن الكتابة به، كان ولا بد لي أن يبدأ يومي وينتهي بقراءة ذلك العمود ليشحن بي قواي وكلمات محبوسة بداخلي، والأهم من ذلك كان والدي -حفظه الله ورعاه- حريصا أن يقتنيها ويجلبها لي في الصباح الباكر حتى لا تفوتني ولا أجد نسختي تلك بعد نفاد عدد الصحف منها، بعد أن علِم بتعلقي لقراءة ذلك العمود الذي عشقت قراءته.
وجدتُ نفسي أنتظر نهاية الأسبوع، بفارغ الصبر وكأنني أنتظر شيئًا ما مُفرحًا آتٍ وعلى الموعد المُنتظر، وأحيانًا أجد حروف ذلك الكاتب وكأنها خُيلت لي قبل كتابتها وتحدث أن تصدر كما تخيلت، ذلك العمود الذي يجعلني أطير معه وأنا أحلق بجناحين، كانت كل أحرفها وكأنها تتحدث عني وكأنني أنا من يكتبها، حينها وجدتُ أني أبحث عن كاتب ذلك العمود في برامج التواصل الاجتماعي، حتى أوصلني أحد المتابعين إلى كاتبتي وملهمتي شريفة التوبي التي ألهمت حروفي شيئًا من أحرفها ومن مشاعرها، وجدتُ أنني أعشق حروفها وتلهمني لأن أكتب المزيد بعد أن شعرتُ بأنني أعشق الكتابة التي اكتشفتها إحدى معلماتي في مدرستي، وشجعني عليها والدي ودعمني وساندني بها منذ طفولتي، حتى حدث ما تمنيت وأخرجت ما بي من حروف تتراقص على أسماع من يقرأها، كما تراقصت أحرف ملهمتي على جوارحي ومخيلتي.
إنني أتحدث عن الكاتبة شريفة التوبي، الملهمة لي بعد أن عرفتها، وأصبحت بيني وبين أحرفها ألفة وكأنها أنا التي تكتب كل ما يجول بخاطري وجعبتي.
وبعدها بدأت مكتبتي لا تخلو من كتب ملهمتي إلا وأقتنيه منذ أول صدوره ويكون بين دفتي رفوفها، ويمتلك اسمًا بالكاتبة شريفة التوبي وبإصداراتها، وأصبحت سجين الزرقة والبيرق بأجزائها وغيرها من الإصدارات بين أعيني وكأنني أمتلك كنزًا ثمينًا لا يقترب منه أحد، وأصبح كل كتاب لي ملهمًا ولا أخفي عليكم رسائل لم تصل التي كتبتها إلى سعاد أبكتني وأنا أقرؤها وكأنها تمثل ما بي من فقد وألم وفراق، فما أحوجنا للراحلين ولقلوبهم المحبة بصدق، ونثار التي نثرت على روحي أحرفها ووجدتني بينها، ماذا أكتب لأقول لكم كم عشقتُ أحرفها قبل أن أعرفها.
هنا أكتب مقالتي هذه وأقول: شكرًا لإلهامٍ ألهمتني به الكاتبة شريفة التوبي وأنا أترقب عمود مرايا لأقرأ تلك المشاعر التي تكتب وكأنها لي، وربما كأنني أنا من كتبها لكونها تلامس مشاعري وأحاسيسي، وما زلت أتفقد ما تكتبه في برامج التواصل الاجتماعي وإن كانت حروف في تغريدة، فإلهامها لا ينتهي، كآخر مقالة كتبتها وهي تصف شدة الشوق الذي يكنه قلبها لإمطي التي تسكن جوارها وقلبها، وتاريخها المُعتق بماء الورد الجبلي، كقريتي التي عشت بها عمرًا وأبكيها دهرًا لفراقي لها، وما آلا بها، إلا أنها ما زالت تسكن بعروقي ودمي الذي يسري بي وينطق بها، وكلما داهمني الشوق لها، أجدني بين أزقتها التي تساوت مع الأرض، وكأنّ روحي سبقت جسدي بزيارتها، هو هكذا الشوق والحنين الذي بداخلنا لا يكمله إلا رؤية من نحب ونعشق أمام أعيينا حتى يخفت لهيبه، ولن يخفت ما دام الحب يزداد، رغم أنّ الشوق للغائب الذي لا عودة له يظل لهيبه مشتعلًا لا يطفئه حرف ولا كلمة وإن كتبت إلا أنها ستصبح كرسائل إلى سعاد فلم تصل إليها.
فكلما أردتُ إلهامًا وجدت ملهمتي تكتب وتلهمني حتى أنني وجدتني هنا أكتب عنها بلا تردد، ولكي لا أتردد أمسكت بأحرف مفاتيح جهازي وجلستُ جلسة إلهام وتأمل وكتبي أمامي، وكثيرًا ما أسمع وألتقي بمن لهم ملهمين وقدوات في مجالاتهم، وأنا لا أفصح عما بداخلي حتى أنني أجدني بين كتاباتها وأحرفها فهي مصدر إلهامي.
ولهذا اليوم الذي أكتب فيه عن الكاتبة وملهمتي شريفة التوبي، إلّا أنني لم ألتق بها بعد، فوجدت نفسي ألتقي بها في منامي وأحاديث الشوق تحدثت معها، ورسائلنا التي تحمل الشوق للقاء قريب، فما زال هناك متسع من الوقت وسنلتقي قريبًا بعد كل المحادثات التي حدثت بيننا.