تُراثي.. هُوِّيتي

 

 

 

علي بن سهيل المعشني (أبو زايد)

asa228222@gmail.com

سلطنة عُمان، تلك الأرض التي تمتد من محافظة مسندم شمالًا إلى محافظة ظفار جنوبًا، تحمل في طياتها تنوعًا تراثيًا وثقافيًا لا يُضاهى. كل قرية، كل وادٍ، وكل جبل يحمل في ذاكرته قصصًا ترويها الأجيال، ولهجاتٍ تختلف من منطقة إلى أخرى، وعاداتٍ وتقاليدَ تشكل نسيجًا اجتماعيًا غنيًا ومتنوعًا. هذا التراث ليس مجرد ماضٍ نستعيده في المناسبات؛ بل هو حاضرٌ حيٌ يُمثل هويتنا الثقافية ويُشكل أساسًا لمستقبلنا.

وفي ظل هذا التنوع التراثي الكبير، يبرز سؤالٌ مُهم: لماذا لا نُدخل هذا التراث إلى مناهجنا التعليمية؟ لماذا لا نُخصص مادةً دراسيةً تحت عنوان "تراثي هويتي" في المدارس والجامعات العُمانية؟ إنها فكرةٌ تستحق أن تُناقش بجدية، خاصةً في عصر العولمة الذي نعيشه، حيث تهدد الثقافات الوافدة هوياتنا المحلية.

التراث: جذورٌ تمتد من الماضي الى الحاضر والمستقبل.

والتراث ليس مجرد مظاهر خارجية كالأزياء التقليدية أو الفنون الشعبية؛ بل هو نظامٌ قيميٌ يعكس طريقة تفكير المجتمع وسلوكه. في عُمان، نجد أنَّ كل منطقة لها طابعها الخاص، من لهجة "الشحوح" في مسندم إلى لهجة "الجبال" في ظفار، ومن فنون "الرزحة" و"العازي" إلى "التغرود" و"الهمبل"والبرعة والنانا. هذه المفردات التراثية ليست مجرد تعابير فنية؛ بل هي أدواتٌ تُعبر عن قيم المجتمع وتاريخه.

وإدخال التراث في المناهج التعليمية يعني الحفاظ على هذه القيم ونقلها إلى الأجيال القادمة؛ فمن خلال دراسة التراث، يتعلم الطلاب ليس فقط عن ماضيهم؛ بل أيضًا عن كيفية الحفاظ على هويتهم في عالمٍ سريع التغير. التراث يُعلمنا الانتماء، ويُعزز الفخر بالجذور، ويُسهم في بناء شخصيةٍ وطنيةٍ قوية.

التعليم: جسرٌ بين الماضي والمستقبل.

إن إدخال مادة "تراثي هويتي" في المدارس والجامعات لن يكون مجرد إضافةٍ أكاديمية؛ بل سيكون خطوةً استراتيجيةً نحو تعزيز الهوية الوطنية. هذه المادة يمكن أن تشمل دراسة اللغات المحلية، والفنون التقليدية، والعادات الاجتماعية، وحتى المأكولات الشعبية. كما يمكن أن تتضمن زيارات ميدانية إلى المواقع التراثية، ومشاركة في المهرجانات الثقافية، وورش عملٍ حول الحرف التقليدية.

وفي الجامعات، يمكن أن تكون هذه المادة أكثر تخصصًا، حيث تُدرس التراث من منظورٍ أكاديميٍ وعلمي. يمكن أن تشمل أبحاثًا حول تأثير التراث على الهوية الوطنية، ودوره في تعزيز السياحة الثقافية، وكيفية توظيف التراث في التنمية المستدامة.

التحديات والفرص

بالطبع، هناك تحدياتٌ تواجه هذه الفكرة. أولها هو كيفية توحيد المنهج الدراسي ليشمل كل هذا التنوع التراثي في عُمان. فكل منطقة لها خصوصيتها، وقد يكون من الصعب إيجاد منهجٍ واحدٍ يلبي كل هذه الخصوصيات. الحل قد يكون في تصميم منهجٍ مرنٍ يسمح للمدارس في كل منطقة بإضافة ما يميزها من تراث.

والتحدي الآخر هو كيفية جعل هذه المادة جذابةً للطلاب. ففي عصر التكنولوجيا والإنترنت، قد يجد الطلاب صعوبةً في الاهتمام بمواضيع تراثية. هنا يأتي دور الإبداع في التدريس، حيث يمكن استخدام التكنولوجيا نفسها لتقديم التراث بشكلٍ حديثٍ ومشوق.

وأخيرًا.. تراثنا هو هويتنا، وهويتنا هي مستقبلنا. إدخال مادة "تراثي هويتي" في المدارس والجامعات ليس مجرد خطوةٍ تعليمية؛ بل هو استثمارٌ في مستقبل الأمة. من خلال هذه المادة، نستطيع أن نُعزز الانتماء الوطني، ونحافظ على تنوعنا الثقافي، ونبني جيلًا واعيًا بجذوره وقادرًا على مواجهة تحديات العصر.

ولقد حان الوقت لأن نُعطي تراثنا المكانة التي يستحقها في نظامنا التعليمي. فلنعمل معًا لجعل "تراثي هويتي" جزءًا أساسيًا من تعليم أبنائنا؛ لأن الحفاظ على التراث هو حفاظٌ على وجودنا كأمةٍ لها تاريخٌ وحضارة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة