المهام التعليمية بدلًا عن العقوبة السالبة للحرية

 

 

سمر بنت سعيد الراسبية **

أشارت الأمم المتحددة إلى العقوبات البديلة، وذلك في مؤتمرها السابع الذي عُقد في ميلانوعام 1985 وذلك لمعالجة ظاهرة اكتظاظ السجون وتم إدراجها ضمن قواعد طوكيو(قواعد الأمم المتحدة النموذجية للتدابير غير الاحتجازية)، التي تهدف إلى إيجاد بدائل للعقوبات التقليدية السالبة للحرية مع الأخذ بعين الاعتبار جسامة الجريمة ومدى خطورة الجاني على المجتمع؛ إذ لا يمكن تطبيق العقوبات البديلة إلا في المخالفات والجنح البسيطة.

بالتالي تأتي العقوبات البديلة لتساهم بشكل كبير في الحد من الآثار السلبية للسجن على الفرد والمجتمع الناتجة عن انفصال المحكوم عليه عن المجتمع واختلاطه بالسجناء مما قد يولد لديه سلوكيات وأفكاراً إجرامية، ناهيك عن المصاريف التي تتكبدها الدولة عند اللجوء إلى عقوبة السجن؛ حيث يكلف السجين الواحد يوميًا حوالي (30- 40 ريالًا عُمانيًا) تُصرف لاحتياجاته اليومية.

ولهذا بدأت التشريعات باتخاذ سياسة الإلغاء التدريجي للعقوبات التقليدية واستبدالها بالعقوبات البديلة كإلزام المحكوم عليه بالعمل في خدمة المجتمع أو الإقامة الجبرية في مكان محدد، حضور برامج التدريب والتأهيل، تكليف المحكوم عليه بمهام تعليمية وغيرها من العقوبات البديلة التي تهدف إلى إصلاح المحكوم عليه وتحقيق الردع.

ومن الأمثلة أيضًا على العقوبات البديلة "تنفيذ مهام تعليمية"، والتي يتم من خلالها تكليف المحكوم عليه بمهام، مثل حضور دورات تعليمية أو المشاركة في الأعمال التطوعية أو البرامج التوعوية وكذلك يمكن أن يتم تكليف المحكوم عليه بإعداد أبحاث وتقارير ثقافية وتعليمية أو أية مهمة أخرى تسهم في إعادة تأهيل المحكوم عليه وإصلاحه ليصبح فردًا صالحًا في المجتمع.

وإذا ما تحدثنا عن دول مجلس التعاون الخليجي وموقفها تجاه العقوبات البديلة، تعد دولة قطر من الدول التي بادرت إلى تبني العقوبات البديلة وإدراجها ضمن تشريعها الوطني. وذلك بعد صدور القانون رقم 23 لعام 2009 بتعديل نص المادة رقم 57 من قانون العقوبات لسنة 2004 والذي أدرج فيها عقوبة "التشغيل الاجتماعي"، ضمن العقوبات الأصلية التي تعطي القاضي سلطة تقديرية للحكم بها منفردة، كما جاء في نص المادة 63 من نفس القانون؛ حيث يجوز للمحكمة بناءً على طلب النيابة العامة أن تحكم بعقوبة التشغيل الاجتماعي لمدة لا تزيد على 12 يومًا، أو أن تستبدل هذه العقوبة بعقوبة الحبس الذي لا يجاوز هذه المدة أو بعقوبة الغرامة المالية، وذلك في الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبالغرامة التي تزيد على ألف ريال قطري، أو بإحدى هاتين العقوبتين، متى رأت المحكمة أن طبيعة الجريمة أوالظروف التي ارتكبت فيها تبرر ذلك.

وحذت حذوها كل من مملكة البحرين ودولة الكويت والمملكة العربية السعودية، ومن ثم الإمارات العربية المتحدة؛ لتتبنى هي الأخرى العقوبات البديلة لتصبح جزءًا من تشريعها الوطني.

أما بالنسبة للتشريع العُماني لم يتطرق إلى العقوبات البديلة في قانون الجزاء العُماني، وإنما اكتفى بإدراجها تحت مسمى العقوبات التبعية والتكميلية والتي تناولتها كل من المادة 57 و58 من القانون؛ إذ إن الحكم بهذه العقوبات يتوقف على نطق القاضي بها عند الحكم بالعقوبة الأصلية، بحيث لا يمكن أن تُرد كعقوبة وحيدة، وإنما تلحق العقوبة الأصلية؛ لذلك سُميت بالعقوبات التبعية والتكميلية. ونستحضر في هذا السياق ما قضت به المحكمة الإبتدائية بالدقم، بإدانة حَدَثٍ جانحٍ بجنحة السرقة ليلًا، وإلزامه بحفظ خمسة أجزاء من المصحف الشريف خلال مدة سنة.

وأخيرًا.. نرى أنه قد آن الآوان للمشرع العُماني أن يُدرج العقوبات البديلة ضمن تشريعه الوطني؛ لما لها من مزايا في إعادة تأهيل المحكوم عليه؛ بما يتماشى مع رؤية "عُمان 2040" التي تهدف إلى مواكبة المتغيرات والتطورات الإقليمية والعالمية، وكل ما يصب في مصلحة الفرد والمجتمع، فضلًا عن تحقيقها للغاية المرجوة من العقوبة وهي الإصلاح.

** باحثة ماجستير بكلية الحقوق في جامعة السلطان قابوس

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة