معضلة التسرّب الدراسي.. هل من حل؟ (2-2)

 

سعيدة بنت أحمد البرعمية

 

لا تخلو مدرسة من تأخُّر الطلبة عن حضور الطابور الصباحي، وقد يَطال هذا التأخير الحصة الأولى وبعض أجزاء الحصة الثانية في بعض الحالات المتطوّرة على مدار الفصل الدراسي الواحد في بعض المدارس، وأغلب هؤلاء الطلبة ممّن يسخدمون النقل الخاص، بمعنى أن لولي الأمر دورًا بارزًا في تأخر ابنه عن المدرسة.

ومن الواضح أنه يجهل حقيقة أن تأخُّر ابنه اليومي عن المدرسة يُعد نوعًا من أنواع التسرّب الدراسي المُستمر؛ فهل يقبل ولي الأمر أن يكون مُعينًا وسببًا رئيسًا في تسرّب ابنه من الحصص الدراسية! يجب أن نفكّر جيدًا في هذه النقطة؛ فالتسرّب ليس فقط داخل المدرسة وجميع أسبابه تتعلق بوجوده في المدرسة، يبدو لي أنّ التأخير الصباحي المُستباح لدى بعض أولياء الأمور أول أسبابه.  

وللمرشد الأكاديمي دور مُهم وحاسم في حل مشكلة التسرّب والحد منها؛ فهو من يُحدِّد الأسباب ويقدم الدعم اللازم للطلبة لتجاوز ما يواجههم من تحديات من خلال مجموعة من الإجراءات المتمثلة في التحليل والتقييم من خلال قيامه بالتحليل الدقيق للمشكلة وتقييم إمكانية انتشارها وتأثيرها على الطلبة المتسربين بوجه خاص وعلى بقية الطلبة وعلى المدرسة بوجه عام. لذا فإن عليه التواصل مع الطلبة المتسربين وإجراء مقابلات فردية معهم لمعرفة دواعي تسربهم من الحصص والتعاون مع الأطقم التعليمية في المدرسة من أجل جمع معلومات عن الطلبة الذين يتكرر لديهم حدث التسرب وتحليل بياناتهم ونفسياتهم من أجل تقديم الدعم المناسب لهم والعمل على تحسين تجربة التعلّم لديهم.

أيضاً من أهم ما يمكن أن يقوم به المرشد الأكاديمي تقديم الدعم العاطفي للطلبة الواقعين في شباك مصيدة التسرّب لمساعدتهم على التعبير عن مشاكلهم بأريحية وصدق للبحث عن الحل المناسب لها، كذاك على المرشد أن يعمل على تحديث وتطوير البرامج التوجيهية باستمرار أو بما يتناسب مع مشكلات الطلبة واحتياجاتهم الأكاديمية والتعليمية والاجتماعية، والتواصل المستمر والمثمر مع أولياء الأمور لجعلهم شركاء في العملية التوجيهية كي يكونوا على اطلاع بحيثيات المشكلة وعلاجها، ومعرفة ما تطور من تقدّم في حلّ المشكلة وتبصيرهم بالمشاكل التي يواجهها الطلبة وأهمية دورهم في المتابعة وتقديم النصح والدعم والتحفيز والتوجيه.

وإذا نظرنا لأهم الآثار المصاحبة للمشكلة نجدها متمثلة في تراجع الأداء الأكاديمي الذي ينعكس سلبا على المستوى التحصيلي للطالب فيتدنى مستواه ويشعر بالإحباط والملل وعدم القدرة على الاستمرار؛ فتزيد معدلات الرسوب وتتفاقم على الطالب مشاكل نفسية وتأخر تحصيلي وصعوبة مواجهة نظرة الأقران والمحيطين بهم، الأمر الذي يجعهلهم ينغمرون في عمق مشاكلهم النفسية والتحصيلية

وعلى صعيد الصحة النفسية قد يُصاب الطالب المتسرّب بالإحباط والقلق والشعور بعدم الكفاءة، نتيجة تسربه من الحصص ويفقد الثقة بنفسه وبقدراته ويشعر بالدونية بين أقرانه؛ لذا يجب أن يكون للمرشد الأكاديمي دور بالغ ومنتهى المهنية في معالجة المشكلة من جذورها بعقد جلسات فردية مع الطلبة المستهدفين لمناقشة مشاكلهم الشخصية، وتنفيذ ورش توجيهية للمعلمين لتوعيتهم بأهمية الإعداد الجيد للدرس خاصة المعلمين المستجدين لتطوير المهارات التعليمية، مع أهمية استخدام الوسائل التعليمية والأنشطة التفاعلية لمساعدة الطلبة على فهم الدروس وخلق الدافعية والاستعداد لديهم لتقبّل الحصص والانسجام معها.

ومن الممكن أن يساعد اللجوء لموارد تعليمية إضافية كتفعيل حصص الاحتياطي وقراءة كتب غير دراسية والمقالات وزيارة مواقع إلكترونية إثرائية، وطلب المعلم من الطلبة مساعدته في أمر ما، أو سؤالهم عن آرائهم حول موضوع مُعين يشعرهم بأهميتهم ويعزز الثقة في نفوسهم ويساعدهم كثيراً في مواجهة التحديات الأكاديمية والنفسية.

وتبقى عملية التقييم والمتابعة من المرشد الأكاديمي من أهم الأمور المعول عليها في حل المشكلة، حيث إنه عند حدوث مشكلة التسرّب وتطبيق جميع الإجراءات اللازمة يجب على المرشد تقييم فاعلية الخطط والبرامج والحلول والتدابير التي يمكن اتخاذها، ومراقبة مدى فاعليتها على المدى القريب والبعيد، وإمكانية تحقيقها للأهداف مع مرور الوقت، وتسجيل تطور السلوك للفئة المستهدفة كلّ على حدة وإجراء التعديلات اللازمة عند الحاجة إلى ذلك.

وبعد الوقوف على الأسباب والمسببات والآثار والنتائج وطرق التوجيه وأهمية دور كل من ولي الأمر والمنهاج والمعلم والمرشد الأكاديمي، نصلُ إلى أنّ حل المشكلة لن يتحقق إلا بتضافر جهود حقيقية لخلق الاستعداد والدافعية والشغف بشكل مستمر لدى الطالب؛ فالمسؤولية تشاركية في المقام الأول، وهذا الحل مُستهلَك كثيرًا دون جدوى، لسبب أنه لا يمكن أن تتضافر جميع هذه الجهود، ولنكن أكثر واقعية وصدقًا في مواجهة مشاكلنا. وأذكر أني طرحتُ سابقًا حلّا في أحد المقالات وهو "منهلوجية المناهج الدراسية"؛ أي تضمن التكنولوجيا في المناهج، كحلٍ للتخلص من ثقل وعبء الحقيبة على الطالب، وهنا أطرح الحل ذاته، فقد قال أبو نواس: "دع عنك لومي فإنّ اللّوم إغراء.. وداوني بالتي كانت هي الداء" والتكنولوجيا من أهم الأسباب في تفشي مشكلة التسرّب، وقد أصبحنا في زمن لعبت فيه التكنولوجيا دورا مباشرا وفاعلا في الراحة والترفيه والتعليم والبحث والاكتشاف، فلماذا لا نستغلها في حلّ مشاكلنا؟

إنّ الطالب بسبب ساعات الدوام المدرسي يُحرم من ممارسة التكنولوجيا ويشعر وكأنه مُعاقَب؛ لذلك يلجأ سرًا لجلب هاتفه أو جهازه اللوحي أو كاميرته أو حتى ساعته الإلكترونية إلى المدرسة ويتسرب كي يُمارس التكنولوجيا ويتفاعل من خلالها مع العالم الافتراضي خارج المدرسة؛ فماذا لو تمت "منهلوجية" المناهج وأصبح لكل طالب حاسب آلي محمول "لاب توب" يدرس من خلاله بدلًا من الحقيبة، هل سيأخذ حاسوبه ويفتحه خارج غرفة الدرس ويُعرِّض نفسه للمخالفات وتطبيق اللوائح التعليمية والاتصال بولي أمره؟ لا أعتقد؛ بل سيصبح أكثر راحة واستعدادًا وتفاعلًا في الصف، فيتم بهذا حل مشكلة التسرّب من ناحية وحل ثقل الحقيبة من جانب آخر وتوفير ما يُصرف سنويًا على طباعة المناهج.

الأكثر قراءة